تفريغ خطبة جمعة بعنوان
الدلجة
في الحث على صالح العمل
في عشر ذي الحجة
للشيخ الفاضل أبي محمد عبد الحميد بن يحيى الحجوري الزُّعكري
حفظه الله.
وكانت في مسجد الصحابة بالغيضة محافظة المهرة -اليمن.
بتاريخ الجمعة 29/ذو القعدة/ 1442 هجرية
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
عباد الله! يقول الله عز وجل:﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾(الفرقان:62) مضت الليالي والأيام، وتتابعت الشهور حتى أتينا على هذه العشر المباركات التي أقسم الله بهن في محكم كتابه في قوله:
﴿ وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾(الفجر:1-2)
وعند جمهور المفسرين أن الليالي العشر هي عشر ذي الحجة الحرام.
وقد قال الله عز وجل:﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ومعلوم أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة كما أن الايام المعدودات هي أيام التشريق.
فقد جعل الله عز وجل هذه الأيام أيام ذكر له؛ الحجيجُ في حجّهم وبقية المسلمين في بلدانهم وديارهم يذكرون الله عز وجل بطاعته، وبقراءة كلامه، وبتسبيحه وتحميده وتهليل وتكبيره إلى غير ذلك.
والعبادات تتنوع وتتفاضل. وأعظمها الذكر لله سبحانه وتعالى:﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
عباد الله جاء عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الايام يعني العشر قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء.
انظروا إلى هذا الفضل العظيم، في هذا الشهر الكريم، لهذه العبادات العظيمات الجليلات لا يُوازيها الجهاد الذي تسيل فيه الدماء، وتتطاير فيه الاشلاء، وتزهق فيه الانفس في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بماله ونفسه فأُتلف ماله في سبيل الله، وأُزهقت نفسُه في سبيل الله هذا من المَكرُومات العظيمات، والهبات الجليلات التي أعطاها الله عز وجل عباده المؤمنين.
ما كل واحد يتيسر له الجهاد، ولا كل واحد يتيسر له الحج، ولا كل واحد يتيسر له بناء المساجد وتشييد الطرق وغير ذلك مِن المبَرَّات؛ فجعل الله عز وجل مثل هذه المكرومات. أيام معدودات معلومات مباركات اجتمعت فيها انواع العبادات الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج وقبل ذلك التوحيد.
عباد الله! جاء في مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر وفيه كلام ولكنه في الباب. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من أيام العمل الصالح بها أحب الى الله من هذه الايام يعني العشر فأكثروا فيها من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل
نعم يا عباد الله. من الناس يتوهون صيام هذه العشر ولا نُمانع من صيامها إلا أنها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صامها أو داوم على ذلك، ومع ذلك ثبت الأمر بالذكر. فَيترُكُون المأمُور ويأتُون بغيره. فلا حرج أن تتعبد لله بالصيام لأنه من جملة العمل الصالح. لكن عليك أن تتعبد بما هو متعيّن فيها من الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء وغير ذلك من الأعمال الصالحات، والمَبرّات المقرِّبات من رب الأرضين والسماوات.
نعم يا عباد الله! في هذه الأيام يوم التروية؛ يتوجه الحجيجُ إلى منى لقضاءِ تفثهم ونذورهم.
في هذه الأيام يوم عرفة؛ الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وصيام يوم عرفة احتسب على الله ان يكفر السنة الماضية والسنة الآتية” في هذه الأيام يوم النحر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الايام الى الله يوم النحر ثم يوم القر” اي اليوم الثاني وذلك لما تُزهق فيه من الدماء، لما تذبح فيه من الضحايا والهدي والنذور يتقرب بها إلى الله عز وجل.
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)﴾ والحمد لله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
عباد الله إن الأمة في هذه السنة وفي السنوات الماضية تمر بمنعطفٍ خطير بسبب استقواء المنافقين والكافرين والتربص بها، وضعف المسلمين من التمسك بدينهم والاخذ بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. إلا أن مثل هذه الايام ينبغي للمسلمين أن يحدثوا فيها توبة وإنابة وتضرع وخضوع وخشوع، وأن يستغلوا الموسم المبارك في طاعة الله عز وجل والاكثار من ذكره وشكره ودعائه. فان مثل هذا تفرج به الكرب وتذهب به المدلهمات. فما صُرف عن الأمة شيء من الشر بمثل طاعة الله عز وجل.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
هكذا يقول الله عز وجل. ويقول:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (النحل:97)
فإذا أراد المسلمون أن تَتغير أحوالهم إلى الأفضل، إلى العلو، إلى الرفعة الى السؤدد، إلى سعة الصدر وهدوء البال وطمأنينة القلب، وصلاح الأبناء والذريات، والبركة في الارزاق والعطايا التي يعطيهم الله عز وجل ما عليهم إلا أن يستغلوا هذه الأيام وما يليها في طاعة الله عز وجل سبحانه وتعالى.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾(النور:52)
فوز في الدنيا وفوز في الاخرة.
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (آل-عمران:132)
رحمة في الدنيا ورحمة في الاخرة.
نعم عباد الله! فالتشمير التشمير، والتوبة التوبة، والإنابة الإنابة، والمسارعة المسارعة، والإقبال على كل عمل صالح يقربك إلى الله سبحانه وتعالى.
فان ربنا سبحانه وتعالى يقول كما في الحديث القدسي: “ومن تقرب الي شبرا تقربت اليه ذراعا، ومن تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا، ومن اتاني يمشي اتيته هرولة”
وفي رواية: “يا ابن آدم امش إلي أجري إليك” أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر عن ربه سبحانه وتعالى.
عباد الله إننا في زمن قد كثُر شره وقل خيره ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون”
هذه الطائفة لم تظهر بكثرة أموالها، ولا بكثرة رجالها، ولا بكثرة عددها وعددها. إنما ظَهرت بالعلم الذي تحمله وبالعمل الذي تبادر إليه.
لأن الله عز وجل يقول:﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾(الفتح:28)
فعلينا بالعلم، وعلينا بالعمل، وعلينا بالمبادرة إلى ذلك وسنجد من الله عز وجل المكرومات العظيمات والهبات الجليلات. ستُقْضى ديوننا، وتُفرَّج كُرَبنا، ويصلح أبناؤنا، ويدفع الشر عنا الى غير ذلك. نعم فما دُفِع الشرُّ بمثل طاعة الله عز وجل، وما جُلِب الخيرُ بمثل طاعة الله عز وجل غفر الله لنا ولكم ولوالدينا ولوالديكم والحمد لله رب العالمين.