فوائد_رمضانية_لعام_1441_هـ
▪️للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 5_ *السنة والبدعة. *
*بسم الله الرحمن الرحيم*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
في اليوم ٦ / من رمضان / لعام ١٤٤١هـ.
سنتكلم عن أمرين جليلين.
أحدهما يصل به الإنسان إلى الجنة.
والآخر يستحق به الإنسان النار.
وما بين هذا وهذا إلا أن يكون الإنسان مطبقا لأمر الله عز وجل، وأمر رسوله ﷺ، أو بعيدا عن أمر الله عز وجل وأمر رسوله ﷺ.
ألا وهما: السنة والبدعة.
فإن الله عز وجل أرسل رسله، وأنزل كتبه، وأمر باتباعهما،﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (٣) ﴾.
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥) ﴾.
﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا (٢١) ﴾.
﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣١) ﴾.
﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) ﴾.
﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ۖ ﴾،﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ ﴾، الحكمة هي السنة.
وقال تعالى:﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) ﴾.
وقال سبحانه وتعالى:﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (٤) ﴾.
فقد بعث الله محمداً ﷺ رسولاً ونبياً وأمرنا باتباعه وحذرنا من مخالفته،﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥) ﴾.
﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٦) ﴾.
والنبي ﷺ قد حث ورغب في هذا السبيل، ففي “صحيح البخاري” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: *«كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى»* قِيلَ: وَمَنْ يَأَبى يَا رَسُول اللَه؟ قالَ: *«منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبَي»*.
وفي “سنن أبي داود” وغيره، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: *«أُوصِيكُمْ بِتَقْوى الله، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيٌ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافاً كثِيرا، فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» *.
وكان في خطبه يكرر *«فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ وخيرَ الهدَى هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ»*.
وقد أخبر النبي ﷺ على فضل المتابعين والمتمسكين بسنته وأنهم موعودونا من الله عز وجل بالخير العظيم، وذلك أنهم يحشرون في زمرة النبي ﷺ، وتنالهم شفاعة النبي ﷺ، ويكرمون على كل عمل يعملونهم بأجرين، أجر المتابعة، وأجر الطاعة. نعم فشأن السنة عظيم.
في “الصحيحين” عَنْ أَنَسٍ رضِي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: *«مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»*.
وقال رسول الله ﷺ مبينا أن القرآن والسنة كلاهما وحي من الله يجب الأخذ بهما: *«أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» *.
وقد وفي عند السلف أن التمسك بالسنة هو نجاة ولذلك أطلقوا عليها “السنة كسفينة نوح من ركبها نجي ومن تركها غرق”.
وقال الزهري أدرك كثيرا من علماءنا يقولون التمسك بالسنة نجاة والعلم يقبض قبضا سريعا ومن تعاش العلم من تعاش الدنيا والدين.
وكانوا يختبرون الإنسان في صلاحه بالسنة، فمن كان على السنة فهو الصالح وإن لم يكن على السنة وإن صلى وصام حتى وإن مشى في الهواء كانوا يتهمونه في شأنه، فالشأن يعود إلى الامتثال بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ. لأن الله عز وجل فرض ما فرض وشرع ما شرع للاختبار والابتلاء، قال الله عز وجل:﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ ﴾.
وقد قال الفضيل بن عياض رحمه الله: في هذا أحسنه أخلصه وأصوبه.
أي ما كان العبد فيهم مخلصا لله، وما كان فيه متبعا لرسول الله ﷺ.
وقد جاء في ذم البدعة الشيء الكثير من الآيات والأحاديث والآثار وقد صنفت المصنفات في التحذير منها لخطرها ولعظيم شرها، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: *«إِنَّ اللهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ صَاحِبِ كُلِّ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ» * أخرجه ابن أبي عاصم.
وفي “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ: *«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» *.
وفي رواية لمسلم: *«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» *.
وتقدم الحديث: *«مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» *.
وقد كان السلف يقولون: «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم».
فإن البدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار.
وقد قال النبي ﷺ مبينا أن أصل البدع مأخوذ من اليهود والنصارى *«افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقة، وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» * قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: *«مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْم وَأَصْحَابِي» *.
وعَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاص، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: *«طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ* فَقِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: *«أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُم» *.
وفي “صحيح مسلم” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: *«بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ» *.
فالحذر من البدع، فإنها قد تنوعت وانتشرت، البدع القولية: كالقراءة الجماعية والأذكار الجماعية والدعوات البدعية وغير ذلك مما يفعله الناس.
والبدع الفعلية كالذبح لغير الله والنذر لغير الله والطواف بالقبور والتمسح بأتربتها.
والبدع الاعتقادية كاعتقادات الحزبية، واعتقادات الصوفية، واعتقادات الرافضة والشيعة، واعتقادات الجهمية ومن إليهم الذين خالفوا شرع الله، وسنة رسول الله ﷺ.
وقد قال يوسف بن أسباط: أصول البدع أربعة: الخوارج، والرافضة، والمرجئة، والجهمية، وتشعبت من هذه البدع بدعٌ كثيرة حتى بلغت اثنين وسبعين بدعة وزد على ذلك أن كل بدعة تتشعب إلى ما شاء الله من الشعب بسبب بعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ.
والمبتدع مستدرك على الله، كأنه يقول: لن أكتفي بما جاء به القرآن ولا ما جاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام حتى نزيد من عندنا ومن أقوال أئمتنا.
لا وجدنا الأمر كله في الاتباع، الدين هذا مبني عن الاتباع من كان متبعا لأمر الله وأمر رسول الله ﷺ فهو السني الموفق وإن قلَّ عمله.
ومن كان مبتدعا ومخالفا لسنة رسول الله ﷺ فهو المبتدع الضال وإن كثر عمله.
ليس الأمر عائد إلى كثرة العمل من قلته، فإن النصارى قد أوجبوا على أنفسهم ما لم يوجب الله وتمسكوا وصار منهم الرهبان﴿ ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ومع ذلك ضلوا ضلالا بعيدا.
وقد قال السلف: من فسد من علماءنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى.
والله عز وجل أمرنا أن ندعوا بقوله﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾وهم أهل الاستقامة أهل الإسلام أهل السنة﴿ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللهِ عَلِيمًا (٧٠) ﴾.
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾وهم اليهود﴿ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) ﴾وهم النصارى.
وكل مبتدع له حظٌ من الضلال وله حظٌ من الغضب. والله المستعان.
فعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل في نفسه وأن يأخذ دينه من كتاب الله ومن صحيح سنة رسول الله ﷺ على منهج السلف الصالحين، فإن ذلك سبب الرفعة في الدارين، سبب العز، سبب التمكين.
قال ابن سيرين “إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم”.
بشر هذه الأمة بالرفعة والعز والنصر والتمكين والسنى، هكذا يقول النبي ﷺ وإنما هذه البشارة لمن سار على سير رسول الله ﷺ في أقواله في أفعاله في اعتقاداته، فإن الله عز وجل يقول:﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾.
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾.
وقد انتشرت البدع كما قلت لكم في الأقوال والأفعال في العبادات والمعاملات ولم يسلم إلا من سلمه الله، فينبغي للمسلم أن يكون عائدا وسائلا ومسترشدا ومتمسكا بما جاء عن الله، وبما ثبت عن رسول الله ﷺ على طريقة السلف الصالحين.
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومن إليهم من التابعين والأئمة المهتدين إلى يومناهذا. فإن الله عز وجل يبعث على كل رأس مائة سنة من يجدد لها دينها حتى لا تتسلط البدع على الناس، ويصبح الناس لا يعرفون الحق من الباطل والهدى من الضلال والنور من الظلمة والتوحيد من الشرك والسنة من البدعة فلا بد أن تقام حجة الله، الرسالية على العباد﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) ﴾. فيا أهل اليمن احمدوا الله عز وجل على ما منَّ عليكم، هذه الدعوة المباركة، دعوة أهل السنة والجماعة، يخرجون العباد بدعوتهم إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ من عبادة العباد فلا تعلق بقبر ولا وثن ولا ساحر ولا كاهن ولا عراف ولا شيء من ذلك. وإنما التعلق بالله عز وجل ولا متابعة لشيخ أو كذلك لفلان أو علان إلا لسنة رسول الله ﷺ.وحب ما أحب الله عز وجل وأحب رسوله ﷺ. وبغض ما أبغض الله عز وجل وأبغضه رسوله ﷺ.
والحمد لله رب العالمين.