تفريغ خطبة جمعة بعنوان:
تحذير المسلمين
من بعض مفسدات أخوة الدين
لشيخنا الفاضل أبي محمد
عبد الحميد الحجوري الزُّعكري
حفظه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وإنما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين
عباد الله إن الله عز وجل أنزل كتابه وأرسل رسوله ليستقيم الناس على مكارم الأخلاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتم صالح الأخلاق. أخرجه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وكان صلى الله عليه وسلم حريصاً على تمام خلق الإنسان مع الله عز وجل بتوحيده وإفراده بما يجب له ثم كذلك تمام خلق الإنسان فيما بينه وبين الناس وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب للإنسان على أخيه الإنسان لاسيما المسلم على المسلم غاية البيان وحرص على أداء هذه الحقوق ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وأخرج البخاري بعض ألفاظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا»
كما أمركم الله فهذه تسع خصال والعاشرة ما جاء في بعض الأحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وعن غيره: ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه
عشر نواهي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم لما فيها من الفساد بين الناس حيث تسو أخلاقهم وينتشر بينهم الشر والعداوة والبغضاء مع أن المؤمن مأمور بمحبة إخوانه المؤمنين قال الله عز وجل :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾
وقال الله عز وجل:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) ﴾
وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. متفق عليه
وهذه المحبة ناتجة عن الترابط العظيم بين المؤمنين قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وشبك بين أصابعه» أخرجاه عن أبي موسى
وقال صلى الله عليه وسلم أنه قال:(مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)) [أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]
فهذا هو المؤمن سعادته بسعادة أخيه وراحته براحة أخيه وأنسه بأنس أخيه ولو تأملنا حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة فمن دونهم وجدنا ذلك ظاهر في أخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم حتى قال بعضهم لولا صحبة الأخوان لما باليت أن يأتي الموت الآن
الصحبة من أجل الله ومن أجل نشر دين الله فقد ثبت عن معاذ رضي الله عنه أنه قال لبعض إخوانه اجلس بنا نؤمن ساعة: أي نتحدث فيما هو من شأن الإيمان والإسلام فيزداد إيماننا هذه حياتهم زار سلمان رضي الله عنه أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان. أخرجه البخاري
هذا حديث عظيم ظهر فيه حرص الأخ على أخيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أخا بين سلمان الفارسي وبين أبي الدرداء رضي الله عنهما وهكذا أيها المسلمون يجب علينا أن نسعى سعياً حثيثاً في ترابط المسلمين فيما بينهم ونسعى سعياً حثيثاً في إزالة ما يؤدي إلى زحزحت هذا الترابط فإن الله عز وجل يقول : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)﴾
ومن أعظم مفسدات هذا الاعتصام لهو الظن السيئ: إياكم والظن فان الظن اكذب الحديث
وقال الله عز وجل:﴿ َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12) ﴾
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في البخاري: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة فالناس يعاملون بما ظهر منهم لا نتكلف التنقيب عما في الصدور وقد زجر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنه حين قتل ذلك الرجل وهو يقول لا إله إلا الله كما جاء في الصحيح عن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما يحدث قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم قال ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم قال فلما غشيناه قال لا إله إلا الله قال فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا قال أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. أخرجه البخاري
فالظن من أعظم مفسدات العلاقات الاجتماعية بين الناس وبين الأب وابنه وبين الأخ وأخيه وبين الجار وجاره وبين الصاحب وصاحبه هذا المرض الخطير الذي ينم عن فساد قلبٍ عند الظان وإلا فإن الإنسان يجب عليه أن يعامل بالظاهر والله عز وجل سينصره إن كان ذلك يخونه أو يخادعه أو يمكر به
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ولا تحسسوا))
لا تتبع أخبار أخيك ولا تنقب فإن التحسس من أعظم أسباب مفسدات الأخوة ومن ذلك إذا قُرنت بغيبة ونميمة
والغيبة: ذكر أخيك بما فيه كما قال صلى الله عليه وسلم
والنميمة أن يسعى الإنسان بنقل الكلام من أجل الإفساد بين الناس قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام أخرجه مسلم وفي رواية للبخاري: قتات
وقال صلى الله عليه وسلم محذرا عن الغيبة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغِيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهَتَّه))؛ رواه مسلم
وهذا مرض خطير انتشر بين الناس وقل أن يستطيع أحد أن يتخلص منه حتى من ميزه الله عز وجل ربما بحفظ القرآن والعمل بالسنة يجد صعوبة في مجاهدة هذا المرض الخطير حتى قال ابن وهب: نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم فمن حب الدراهم تركت الغيبة فالناس يعالجون أنفسهم ولا يستمرون في البلاء ,لا تستمر أما في هذا البلد ونسأل الله السلامة في مجالس القيل والقال غيبة ونميمة وإفك وبهتن
والإفك هو نقل الكلام المكذوب
والبهت هو الكذب على المسلم
ابتلى الله اليمنيين بأكل القات ومجالس القات وهات سلخ في أعراض المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وقال في خطبته يوم النحر: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟)) أخرجه البخاري
ويقول صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ولا تجسسوا))
والتجسس تتبع أخبار الناس حتى وإن كانت زوجتك لا تتجسس عليها لأن التجسس مفسد لك ولها وإن كان ولدك لا تتجسس عليه فإن التجسس مفسد لك وله لكن إن خشيت عليهم ضرر من استخدام جهازٍ أو من نحو ذلك لك أن تنصح وتوجه فإن ظهر شئ أدبت بحسب الخطأ وهكذا أولياء الأمور مع رعيتهم
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)). فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) أخرجه أبو داود
وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه أتي برجل فقيل لـه: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. أخرجه أبو داود
فالإنسان بالتجسس يفسد نفسه ويفسد غيره والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال صَعدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ. أخرجه الترمذي
نسأل الله السلامة تتبع المسلم والله عز وجل يتتبع عورتك فتفضح ,يفضحك الذي لا تخفى عليه خافيه بينما المسلمون أمروا بستر بعضهم لبعض إلا إن ظهر شئ
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا كذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.
فهذا ليس بعافية أما بقية ذلك من الأمور فيجب الستر إلا إن ظهر شئ فيجب إنكار المنكر لا يجوز للمسلم أن يرضى بالمنكر لا في أهله ولا في أبناءه ولا في إخوانه ولا في مجتمعه كما قال الله عز وجل:﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) ﴾
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه ومجتباه صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين أما بعد
قال: ((ولا تنافسوا))
فالتنافس في الخير محمود ومرغب فيه:﴿ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
لكن التنافس من أجل الدنيا سبب لكل شر
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم قال عبد الرحمن بن عوف نقول كما أمرنا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض. أخرجه مسلم
التنافس من أجل الدنيا يجر إلى كل بلية يجر إلى كل رزية ثم التحاسد وهو أشد من التنافس أو كره النعمة على الغير
لا يجوز لك أن تكره النعمة على الغير ثم تتمنى زوالها وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر حاسد إذا حسد فالحسد مرض خطير صفة يهودية ليس من صفات أهل الإسلام:﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ﴾
ينكر الله عز وجل على الكفار وعلى اليهود الحسد لأهل الإسلام ثم نهى النبي صلى الله عليه عن التقاطع والتباغض قبل ذلك التباغض يكون في القلب المسلم ينبغي أن يحب أخاه المسلم ,أن يحب أخاه المسلم بقدر ما فيه من الخير وبقدر ما فيه من طاعة الله عز وجل ولا يكون البغض إلا لله
وقد روى أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: (إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ).
نعم: (ولا تقاطعوا))
فإن القطيعة تقع بعد التباغض لا تقطع مسلم ولا تهجره فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ). متفق عليه
إلا إذا كان مبتدعاً فإجماع أهل العلم قائم على هجر المبتدع ويجوز للرجل أن يهجر زوجته للتأديب ويجوز هجره لها في الفراش لا لترك البيت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يهجر إلا في البيت ويجوز لأنه يهجر ولده إن كان عاصيا لله عز وجل: فإن ابن عمر قد هجر ابن له كما جاء عند الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها » فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن ، فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : والله لنمنعهن ، وفي لفظ عند مسلم : فزبره ابن عمر قال : أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : لا ندعهن . وفي لفظ لمسلم أيضا: فضرب في صدره.
فهجره وهكذا إياكم والتدابر الذي سببه تنافر القلوب فيؤدي إلى تنافر الأبدان وهكذا نهى الله عز وجل عن التناجش وهو البيع لا لقصد الشراء وإنما لقصد رفع سعر السلعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التناجش والكلام على الحديث يطول وما يجب على المسلم على المسلم يطول لكن هذه الماحة ويضمها قول النبي صلى الله عليه وسلم وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله فمتى نكون إخوة نكون إخوة إذا استقمنا على دين الله ظاهراً وباطناً وأحب بعضنا لبعض الخير وكان المسلم حريصاً على دينه وحريصاً على عرضه وحريصاً على ماله وحريصاً على نفسه كما أنه يحرص على نفسه يحرص على أخيه كما أنه يغار على أهله يغار على أهل أخيه كما أنه يحرص على أن يكون ولده من الطائعين لله يحرص أن يكون ولد أخيه من الطائعين لله ,فالله الله يا عباد الله في حسن الخلق مع الله عز وجل بتوحيده وإفراده بالعبادة وجسن الخلق مع الناس ببذل الندى وكف الأذى وطلاقة الوجه واسأل الله عز وجل أن يرحمنا وإياكم وأن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير بيديك والشر ليس إليك والرغبة إليك والعمل والحمد لله
تفريغ خطبة جمعة بعنوان
#تحذير_المسلمين_من_بعض_مفسدات_أخوة_الدين.
وكانت في يوم الجمعة الموافق 14 / صفر/ 1439
لشيخنا الفاضل أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله