بسم الله الرحمن الرحيم
*(الإيلاف على أن مسألة العذر بالجهل من مسائل الخلاف)*
*قرأها واطلع عليها شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله*
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد منّ الله على الدعوة السلفية في اليمن بشيخنا الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ثم بخليفته على دعوته شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله تعالى وتعلمنا منهم ومن غيرهم من أهل العلم والدين أن المسائل الخلافية تبقى على ما هي عليه حتى لا يبدع أو يفسق أو يكفر فيما لا تبديع فيه ولا تفسيق ولا تكفير ومن هذه المسائل:
📌 *مسألة تارك الصلاة* فهي من المسائل الخلافية بين أهل السنة والجماعة والأقوال فيها مذكورة في غير موطن مع أن الذي تطمئن إليه النفس ونقول به كفره الكفر الأكبر المخرج من الملة ومع ذلك لا نبدع من اختار القول الآخر.
ومن هذه المسائل:
📌 *مسألة العذر بالجهل* فالخلاف بين العلماء فيها مبسوط مذكور في غير كتاب وممن صرح بوجود الخلاف شيخنا الوادعي والشيخ الشنقيطي والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعا وكفى بهم علما وفضلا في معرفة الخلاف فعلى هذا فلا تبديع ولا تفسيق ولا تكفير فيمن قال بأحد القولين مالم يخالف قولي العلماء.
*إذ قد أحدث بعضهم أقولا وتفريعات يوالي ويعادي عليها بل وصل الحد ببعضهم إلى تكفير العاذر أسأل الله السلامة.*
📌 قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين كما في مجموع فتاواه (224) حيث سئل فضيلة الشيخ: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟
فأجاب بقوله: *الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافا لفظيا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع. انتهى*
📌وقال شيخنا مقبل – رحمه الله- في كِتَاب غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة (2/ 447- 448 ). *قد اختلف أهل السنة أنفسهم في هذه القضية في شأن العذر بالجهل في التوحيد، والذي يظهر أنه يعذر بالجهل* لقوله عز وجل: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) ( (الإسراء:15)، ولقول الله عزوجل حاكيًا عن الحواريين حيث قالوا:((هَلْ يَسْتَطِيْعُ رَبُّك
أَنْ ينزل عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَـاء)) (المائدة:112) فَمَـا قَال لهم عيسى: إِنَّكُمْ قَدْ كَفَرْتُمْ!، ولكن قال:((اتَّقُوا الله إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنِيْن)) (المائدة:112)،
وَكَقَوْلِه تَعَالـى في شأن أصحاب موسى: ((اجْعَل لَنَا إِلَـهًا كَمَـا لَـهُم آلهة قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَـجْهَلُوْنَ )) (الأعراف:138). وفي الصَّحِيْحِ- وهو مَرْوِي من حديث جـمـاعة من الصحابة-(( أَنَّ رَجُلًا قال لِبَنِيْهِ: أَيّ أَب كُنْتُ لَكُمْ؟ قالوا: نِعْم الأب، قال: فإذا مِتّ فاحرقوني ثم ذروني فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابا لا يعذبه أَحَدًا مِنَ العَالَـمِيْن، فَلَمَّـا فَعَلوا ما أوصاهم به، ثم أَمَرَ الله البحر أن يجمع ما فيه، والبر أن يجمع ما فيه، وأحياه الله فقال له: ما حَـمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟ قال: مَـخَافَتُكَ يَا رب، قال فَإِنِّـي قَدْ غَفَرْتُ لَك))، وهذا رجل يَشُكُّ في قُدْرَةِ الله، كَمَـا أَنَّ الحواريين شَكُّوا في قدرة الله.
فهذه الأدلة تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْذَرُ بالجهل، والذين لا يقولون بالعذر بالجهل ليس لهم أدلة ناهضة، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا حديث أبي هريرة والأسود بن سريع كَمَـا في ((مسند الإمام أحمد)) أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( أَرْبعة يختبرون يوم القيامة: الأبله والأصم وصاحب الفترة- ولا أستحضر الرابع-، فيقال
لهم في عرصات القيامة – ويخرج لهم عنق من النار- اقتحموه، فمن اقتحمه منهم كان بردًا عليه وسلامًا،ومن لم يقتحمه فيقول الله له: أنتم الآن عصيتموني فأنتم لرسلي أشد عصيانًا)).
وَأَنْصَحُ بقراءة ما كتبه الشيخ الشَّنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره عند تفسير قول الله عزوجل: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِيْنَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُوْلًا)) (الإسراء:15)، أو عند
قوله تعالى: (( وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَـهُمْ مَا يتقون)) (التوبة:115).
فَبِمَـا أَنَّ الـمَسْأَلَــةَ خِلاَفِيَّـة بَيْـنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَالـمُخَالِفُ لاَ يُـحْكَمُ عَلَيْهِ لَكِن الرَّاجِحَ أَنَّــهُ يُعْذَرُ بِالـجَهْلِ.”* انْتَهَى
📌 والذي يهمني تقريره أن الخلاف في المسألة بين أهل العلم واقع وحاصل ردا على ما يُعلم من تجاوز بعضهم وقوله بعدم الصلاة خلف العاذر وهذا ناتج عن تكفيرهم للعاذر إحداثا في دين الله ما ليس منه أسأل الله العافية.
✒️ *فالنصيحة لطلاب العلم ومن إليهم بعدم التجاوز في المسائل العلمية والعملية لما يؤدي إليه من فتن وتجاوزات في المعاملات والأحكام والله المستعان.*
📌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرد على البكري (ج٢ ص٧٣١)
*ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻉ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮ ﺃﺣﺪا ﻣﻦ اﻷﻣﻮاﺕ ﻻ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭﻻ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﻭﻻ ﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻻ ﺑﻠﻔﻆ اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﻭﻻ ﺑﻐﻴﺮﻫﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻉ ﻷﻣﺘﻪ اﻟﺴﺠﻮﺩ ﻟﻤﻴﺖ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ، ﺑﻞ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﻮﺭ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﺸﺮﻙ اﻟﺬﻱ ﺣﺮﻣﻪ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻐﻠﺒﺔ اﻟﺠﻬﻞ، ﻭﻗﻠﺔ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺂﺛﺎﺭ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻜﻔﻴﺮﻫﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻔﻬﺎ.* انتهى
📌 ﻭﻗﺎﻝ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎﺏ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ كما في الدرر السنية (٦٦/٦) : *”ﻭﺃﻣﺎ اﻟﻜﺬﺏ ﻭاﻟﺒﻬﺘﺎﻥ، ﻓﻤﺜﻞ ﻗﻮﻟﻬﻢ: ﺇﻧﺎ ﻧﻜﻔﺮ ﺑﺎﻟﻌﻤﻮﻡ ﻭﻧﻮﺟﺐ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻗﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺇﻧﺎ ﻧﻜﻔﺮ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻔﺮ ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﺎﺗﻞ، ﻭﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﻭﺃﺿﻌﺎﻑ ﺃﺿﻌﺎﻓﻪ، ﻓﻜﻞ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻟﻜﺬﺏ ﻭاﻟﺒﻬﺘﺎﻥ اﻟﺬﻱ ﻳﺼﺪﻭﻥ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺩﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﺇﺫا ﻛﻨﺎ ﻻ ﻧﻜﻔﺮ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﺬﻱ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎﺩﺭ، ﻭاﻟﺼﻨﻢ اﻟﺬﻱ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﺒﺪﻭﻱ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻬﻤﺎ؛ ﻷﺟﻞ ﺟﻬﻠﻬﻢ ﻭﻋﺪﻡ ﻣﻦ ﻳﻨﺒﻬﻬﻢ، ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻜﻔﺮ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺸﺮﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﻬﺎﺟﺮ ﺇﻟﻴﻨﺎ، ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﻜﻔﺮ ﻭﻳﻘﺎﺗﻞ، ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻫﺬا ﺑﻬﺘﺎﻥ ﻋﻈﻴﻢ”.* انتهى
📌 وأما ما يتعلق بالمذهب الصحيح في هذه المسألة على أن من كان جاهلا حقا وقع عليه مسمى الجهل وحكمه ومن كان معرضا فليس بداخلٍ في الجهل ولا في حكمه بل هو مشرك كافر بإعراضه عن تعلم التوحيد والعمل به وملخص ذلك: *أن من أشرك بالله شركا أكبر مما يخرج مثله من الإسلام صار مرتدا كافرا ويستثنى من ذلك *حديث عهد بإسلام أو من كان في بادية لم يبلغه علم* فالمسألة عائدة إلى ثبوت الجهل من عدمه فمن بلغته الدعوة وأعرض عنها فهذا ليس بجاهل وإنما هو معرض.
وهكذا من كان معرضا عن العلم فلا يسأل عن دينه ولا يتعلم ما يجب عليه أن يتعلمه مع تمكنه من ذلك فيبقى جاهلا ويقع في بعض الشركيات بسبب هذا الجهل الذي منشؤه من الإعراض عن العلم.
فهذا جاهل حقيقة لكنه ليس معذورا بجهله.
وأما من لم تبلغه الدعوة إما لحداثة عهد بإسلام لم يتبين له خطأ ما وقع فيه أو في مكان لم يبلغه العلم ولا يعلم أن هذا يخالف دين الإسلام فهو معذور قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في الرسالة السادسة والثلاثين من مجموع رسائله: *(فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف; وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة).* انتهى
وبنحو هذا قال شيخ الإسلام وتكرر في الدرر السنية وغيرها والله أعلم.
📌 وما أردت تقريره أن المسألة خلافية لا يتوسع في التبديع والتفسيق فيها ونبقى على أن من كفره الدليل كفرناه ومن بدعه الدليل بدعناه ومن فسقه الدليل فسقناه ولا نتجاوز أحكام أهل العلم ولنحذر مداخل الشيطان وطرق أهل البدع من الخوارج والمرجئة والله المستعان وعليه التكلان.
أبو محمد الزُّعكري 11 رجب 1444