الفائدة الثامنة عشر من كتاب المقالات المفيدة في التوحيد والفقه والأخلاق والعقيدة
التفاضل في الآيات والسور القرآنية، والأسماء والصفات الإلهية
الحمدُ لله، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أخرج الإمام البخاري من حديث أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ:﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال:24]». ثُمَّ قَالَ لِي: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: «أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ»، قَالَ: «﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2]، هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ».
* هذه السورة عظيمة، وهي أفضل سورة في القرآن، ولهذا أمرنا الله عَزَّ وَجَلّ أن نتلوها في كل صلاة بل في كل ركعة، وسماها الله عَزَّ وَجَلّ الصلاة، ومن أسمائها فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، والرقية، والشافية، والكافية، وغير ذلك من الأسماء.
وجاء عند الإمام مسلم من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ:﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ».
وهذه آية عظيمة تضمنت أسماءً لله عَزَّ وَجَلّ، وصفات لله عَزَّ وَجَلّ، وهي متضمنة لعشر جمل عظيمة تدل على علو منزلتها، ومكانتها من كلام الله عَزَّ وَجَلّ، مع أن كلام الله عَزَّ وَجَلّ كله فاضل، وكله كمال، ولكن قد فاضل الله عَزَّ وَجَلّ ورسوله ﷺ بين كلام الله عَزَّ وَجَلّ.
وجاء عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وغيره، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ» أي:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ﴾.
وجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «احْشُدُوا، فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ، فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ».
وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ».
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟»، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ».
وجاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَقْرَأُ بِهَا، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِيكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، قَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ. فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ. فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ»، وفي رواية: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ».
* فهذه ثلاث فضائل لثلاثة مواطن من القرآن تدل على علو منزلة ما ذكر من السور والآي، والقرآن كما قلت لكم: كله كلام الله، ووحيه، وتنزيله، ونوره؛ لكن الله عَزَّ وَجَلّ قد فاضل بين بعضه، ومن هذا أخذ أهل العلم التفاضل بين الأسماء والصفات؛ لأن القرآن صفة الله ومتضمن لأسماء الله.
* وكما وقع التفاضل فيه، فالتفاضل في صفات الله عَزَّ وَجَلّ، وفي أسمائه حاصل، ومن هذا الباب الاسم الأعظم الذي أخبر عنه النبي ﷺ كما جاء عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ».
فأسماء الله كلها عظيمة، لكن منها عظيم وأعظم، ومنها فاضل وأفضل، وهذه السور التي ذكرتها لكم ينبغي لنا أن نعرف معانيها؛ فسورة الفاتحة نقرأها في كل ركعة، وهي نصفين كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عند مسلم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:1]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي – وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي – فَإِذَا قَالَ:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ:﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ».
ففيها بيان حقٍ لله عَزَّ وَجَلّ، وقسمٌ فيه بيان للطريق الموصل إلى الله عَزَّ وَجَلّ، وهو سؤال العبد لله أن يبصره بهذا الطريق.
* وآية الكرسي أخبر النبي ﷺ: «أنه من قرأ آيةَ الكرسيِّ في ليلةٍ، لم يزَلْ عليه من اللهِ حافظٌ ولا يقربُه شيطانٌ حتى يُصبحَ»، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وجاء عن غيره أنها تُقرأ في الصباح، والمساء، ومن قرأها لا يقربه شيطان حتى يمسي، وحتى يصبح، وهذا فضل عظيم.
وأما قرآتها دبر الصلاة، فقد جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ»، أخرجه النسائي، لكن الحديث ضعيف، من رواية مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ، وقد أنكر الذهبي هذا الحديث كما في الميزان.
وسورة الإخلاص أخلصت الوصف لله عَزَّ وَجَلّ:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:1]، أمر الله محمد ﷺ أن يقول:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وهذا كما قال:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق:1]، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس:1]، ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ [الجن:1]، فهو عبدٌ مأمورٌ، كما قال عن نفسه: أقول كما قال الله، بمعنى الحديث، يقول كما قال الله:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، قال:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.
* وبين بعض أهل العلم أن القرآن ثلاثة أجزاء:
جزء في التوحيد ودلت عليه سورة الإخلاص.
وجزء في القصص والأخبار، وهذا في القرآن كثير مما قصه الله علينا من أخبار من سلف، ومن أخبار من سيأتي.
وقسم أحكام، كأحكام الصلاة، والصيام، والنكاح، والعدة، وغير ذلك من الأحكام.
* فـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ متضمنة لحق الله عَزَّ وَجَلّ، فمن أسمائه الأحد، ولا يجوز أن يسمى أحدٌ بهذا الاسم من باب الإثبات إلا الله عَزَّ وَجَلّ:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، ولهذا لم يقل الأحد، قال العلماء لأنه مختص به.
بينما في الصمد، في العليم، في الخبير، في الحكيم، في القوي؛ لأنها أسماء غير مختصه تقدم بالألف واللام الذي يفيد الاستغراق، والاختصاص.
بينما في هذا الاسم﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، أي: الأحد الذي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، ﴿وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الرعد:16].
* وقوله:﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾، الصَّمَدُ: الذي لا جوف له، وقيل: الذي تصمد إليه الخلائق، وقيل: الذي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، وقيل: هو الكامل في سؤدده، الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في جميع صفاته. وكلها معاني يدور عليها معنى الصمد، فالله عَزَّ وَجَلّ تَصمد إليه الخلائق، وهو السيد الذي كمل في سؤدده، وهو الذي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
وهذه التي تقدمت تسمى عند العلماء صفات ثبوتيه، وأما قوله:﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾: هذه تسمى صفات منفية، أو سلبية بمعنى أن الله ينزه عنها.
﴿لَمْ يَلِدْ﴾: بحيث أن له ولد، ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾: بحيث أن له والد، بل هو سبحانه الخالق، وما سواه مخلوق، بل هو سبحانه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء.
فالله عَزَّ وَجَلّ صمدٌ لم يلد ولم يولد، بل هو المتصف بالحياة الأزلية الأبدية، قَالَ تَعَالَى:﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾ [الجن: 3].
وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58].
وَقَالَ تَعَالَى:﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255].
* قوله:﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، لم يكن له سمي، ولا مثيل، ولا معين، ولا ظهير، ولا نصير، بل هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المتفرد بالخلق، والملك، والتدبير.
كما أنه المتفرد بالألوهية، فمن أشرك معه غيره بطلت عبادته، لا يجوز أن يشرك مع الله عَزَّ وَجَلّ غيره لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا.
وقد جاء في بعض الآثار أنها نُسبة الله، كما جاء عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾فَالصَّمَدُ: الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلاَّ سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلاَّ سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ لاَ يَمُوتُ وَلاَ يُورَثُ:﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلاَ عِدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
وجاء مرسلًا عَنْ أَبِي العَالِيَةِ والمرسل أصح، وابن حجر يحسنه لتعدد طرقه.
فهذه السورة فيها صفات الله عَزَّ وَجَلّ الثبوتية الدالة على الكمال المقدس من كل وجه.
من هذا عُلِمَ أنَّ هذه الآيات القصار، والسور القصار، ربما يكون فيها من المعاني، والفضائل ما يفوق غيرها، وكلما كانت السورة والآية متمحضة في بيان حق الله كلما كانت أكمل من غيرها من السور والآي، مع أن كله كلام الله، ووحيه، وتنزيله. وإنما قلنا هذا من باب أن النبي ﷺ قد بين التفاضل بين السور والآي؛ كي يكون عند العبد مزيد إهتمام لقراءة بعض السور والآي وتدبرها.
وهذا السور التي ذكرتها يعلمها أغلب المسلمين ومع ذلك يجهلون أحكامها إلا من رحم الله.
ولو علم المسلمون معاني السور والآي لازداد إيمانهم، وازدادت مراقبتهم، وزاد خوفهم ورجائهم في الله عَزَّ وَجَلّ.
وكما أسلفت لكم، ذلك الأنصاري الذي كان يقرأ:﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، في كل ركعة، لا لأنها قصيرة، قد قال له أصحابه: إن كنت ترى أنها لا تجزيك أقرأ بغيرها، وإن كنت ترى أنها تجزيك اقرأ بها، لكن قال: إِنِّي أُحِبُّهَا لأنها صفة الله.
وفي الحديث الآخر: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ»، وكان الله محبًا له؛ بسبب حبه لصفة الله، بارك الله فيكم.
* * * * *
تطبيق المقالات المفيدة في التوحيد والفقة والأخلاق والعقيدة للشيخ أبي محمد عبدالحميد الحجوري الزعكري
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.Alfaiz.Almgalat_Almufedh_Alzoukry