الفائدة التاسعة والأربعون من كتابي المقالات المفيدة في التوحيد والفقه والأخلاق والعقيدة:
⚫ زكـــاة الفطــــر
الحمدُ لله، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ تَسْلِيمًا كَثِيْرًا، أَمَّا بَعْدُ:
فالمتأمل لشريعة الله عَزَّ وَجَلّ يجد أنها شريعة متضمنة لمصالح العبد الدنيوية والأخروية، ويجد أنها متضمنة لحق الله عَزَّ وَجَلّ على عبده، ولحقوق العباد فيما بينهم
🟣 ومن ذلك ما جاء عند أبي داود، وابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»
وأصح من هذا الحديث الدال على فريضة هذه العبادة ما جاء في «الصحيحين»، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ».
وأمر النبي ﷺ، «أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»،
🔵 وكانوا يؤدونها قبل العيد بيوم أو يومين، وجاء أيضا أو ثلاثة بسند صحيح عند مالك في الموطأ وربما جمعها ابن عمر عند بعض من يتولى جمع الصدقات، فإذا كان قبل العيد بيوم، أو يومين دفعها إلى مستحقيها.
🟣 وأفضل وقتها أن تؤدى ما بين طلوع فجر يوم العيد إلى أن يخرج الإمام إلى الصلاة، ووقتها الجائز أن تؤدى قبل العيد بيوم أو يومين، أو ثلاثة على ما تقدم وإذا أُديت قبل ذلك فهي باطلة، وإنما تحمل على أنها صدقة من الصدقات، وإذا أُخرت إلى بعد صلاة العيد فلا تجزئ، وإنما تخرج على أنها صدقة من الصدقات، كما في حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في «الصحيحين»، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ»، وفي رواية: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ».
⚫ وقد اختلف بعض أهل العلم، هل قوله: صاع من طعام، هل هو من العام، وما بعده دال على تفاصيله؟، أم أن الطعام هو الحنطة الذي كان يتقوتها الناس في ذلك الزمان؟.
ومن هذا الحديث نأخذ أن زكاة الفطر يجوز أن تخرج مما يتقوته الناس مما ذكر في الحديث، ومما لم يذكر.
🟣 وأما مقدارها فهي على كل صغيرٍ، وكبيرٍ، ذكرٍ، وأنثى، حرٍ، وعبدٍ من المسلمين صاع، والصاع: أربعة أمداد، بمُد الرجل المعتدل، وصاع النبي ﷺ معلوم معروف.
وقد قدره شيخنا يحيى حفظه الله بما يوازي خمس علب من علبة الأناناس المعروفة، وقدره بعضهم بما يوازي أربع علب من علبة الشربة التي تسمى الشوفان.
وذهب بعض أهل العلم إلى تقديره بالكيلوات تقريبًا، وإلا فإن إخراجها بالمد، والصاع هو الأولى؛ اقتداء بالنبي ﷺ، ولأنه أضبط.
فقدر بعضهم التمر بكيلو وثمان مائة جرام، والأرز باثنين كيلو وخمسة وأربعين جرام، أو نحو ذلك، والبُر باثنين كيلو، تقديرات في جملتها عسى أن تفي بالغرض عند من لا يحسن الحساب، أما من كانت لديه استطاعة أن يقوم بكيلها بالصاع، والمد فهو الذي كان على عهد النبي ﷺ.
⚫ ولا يجوز أن تؤدى زكاة الفطر نقودًا، وإن كان قد ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم إلا أن الصحيح خلاف ذلك، فإن النبي ﷺ فرضها من الطعام، وكان الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك.
ولأن إخراجها نقودًا لا يفي بالغرض، إذ أن المقصود من هذه الزكاة طعمة للمساكين في ذلك اليوم، والتوسعة عليهم في باب المآكل.
ولأن أخرجها طعامًا فيه إظهار للشعيرة في تراحم المسلمين، وتعاطفهم، حيث يرى الإنسان المسلمين في صبيحة يوم العيد وهم يخرجون من بيتٍ إلى بيتٍ يناولون الفقير الطعام الذي أوجبه الله عَزَّ وَجَلّ عليهم.
وهذا هو ترجيح شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ، وغيره من أهل العلم، كشيخنا مقبل رَحِمَهُ اللَّهُ، والشيخ ابن باز، وابن عثيمين، وشيخنا يحيى الحجوري، وغيرهم كثير.
🔵 مصرفها مصرف زكاة الفطر واحد وهو الفقراء والمساكين، من المسلمين.
🔵 ويجوز أن يخرج الإنسان زكاة الفطر مما يُعطى فلو كان فقيرًا وأعطي زكواتٍ جاز له بل وجب أن يخرج زكاة الفطر إن كان عنده ما يزيد على ما يغديه ويعشيه ذلك اليوم، ويجوز للمسلم أن يخرجها مما أعطاه الناس سواء أعطوه هدايا، أو زكاة.
⚫ ويجوز أن يُوكِّل الإنسان من يخرج عنه زكاة الفطر إذا كان مشغولًا أو يخشى على نفسه عدم القيام، فيجوز أن يُعطي أحدهم نقودًا، والوكيل يشتري بها طعامًا ثم يخرجه.
أما من أخرجها نقودًا، فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تجزئ عنه، وأنها غير مقبولة لأمرين:
* الأول: لأنه ترك هدي النبي ﷺ.
* الثاني: أنه جاء بشيءٍ أمر الشارع بخالفه، والأموال كانت عندهم ولو أراد النبي ﷺ أن تخرج نقودًا، لقال: ليخرجها أحدكم دينارًا أو درهمًا أو ما أراد، قَالَ تَعَالَى:﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم:64].
🟣 والأصل أن تخرج زكاة الفطر في البلد الذي فيه الإنسان، إلا أنه يجوز إذا لم يجد من يحتاج إليها أن يرسلها إلى بلد آخر.
والأصل أن كل مسلم يخرج عن نفسه، فالزوج يخرج عن نفسه، والزوجة تخرج عن نفسها من مال زوجها، أو من مالها، لكن إذا قام رب الأسرة بأداء الزكاة على الجميع فهو أمر حسن ولا محذور فيه.
هذه بعض الأحكام التي تتعلق بهذه العبادة.
وزكاة الفطر متعينه على الجميع إلا من عجز وليس عنده شيء، فعلينا أن نجتهد بإخراج هذه الزكاة التي أوجبها الله عَزَّ وَجَلّ لأمرين:
* الأول: طهرة إذ ما منا من أحد إلا وقد ألم بخطيئةٍ، وذنبٍ، ولغوٍ، ورفثٍ في هذا الشهر، نسأل الله السلامة.
* الثاني: طعمة للمساكين وتوسعة عليهم.
🔵 ويجوز أن تدفع زكاة الفطر إلى شخص واحد، ويوسع عليه ربما طيلة العام بذلك.
ومسألة قد يقول بعضهم: إذا أخرجناها شعيرًا، أو نحو ذلك من الأطعمة، ربما لا يستخدمها الناس الآن، وربما أعطوها للدواب، أو ربما لم يأكلوها، نحن غير مخاطبين بأكلهم، أو بعدم أكلهم نحن مخاطبون بإخرجها على ما ذكر النبي ﷺ، فمن أخرجها من ذاك فحسن، ومن أخرجها أرزًا أو نحو ذلك مما يتعاطاه الناس، فحسن.
والأقط: الحليب المجفف، الذي ذُكِرَ في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو من الأمور التي يحتاجها الآباء الفقراء لأبنائهم، وربما احتاجوها للإتدام بها، ونحو ذلك.
ونسأل الله القبول والسداد.
🟣 تنبيه بالنسبة لمن عجز عن إخراجها للحجر الصحي كما هو الحال في هذه الأيام فهو بين أمرين:
الأول: أن يوكل من يقوم بالأمر بدلا عنه باتصال أو نحوه سواء كان في البلد أو خارجا عنه.
الثاني: إن يحرزها على جانب حتى يتمكن من إخراجها بعد الحظر وقد فعل ما يجب عليه ولا يكلف الله نفسا الا وسعها.
* * * * *
تطبيق المقالات المفيدة في التوحيد والفقة والأخلاق والعقيدة للشيخ أبي محمد عبدالحميد الحجوري الزعكري
https://play.google.com/store/apps/details?id=com.Alfaiz.Almgalat_Almufedh_Alzoukry