الفائدة 2 الأمانة والخيانة
#فوائد_رمضانية_لعام_1441_هـ
️للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
الفائدة 2_*الأمانة والخيانة. *
*بسم الله الرحمن الرحيم*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وفي يومنا هذا ٣/ من رمضان/ لعام ١٤٤١.
نتكلم عن خلقين متقابلين:
أحدهما رغب الله عز وجل فيه وحث، وتخلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني حذر الله عز وجل منه، وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم. ألا وهي: الأمانة والخيانة، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه -الذي يحسنه بعض أهل العلم-: *«أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» *. فالأمانة شأنها عظيم تخلق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وكان يسمى: بالصادق الأمين. وحين بعثه الله عز وجل بنبوته ورسالته كان من أوائل ما دعا إليه الأمانة، كما في حديث أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه *قُلْتُ: يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ والصدق وَأداء الامانة*. كما في بعض ألفاظ “البخاري”. وجاء أيضا عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال للنجاشي: *يأمرنا بالأمانة*. فهذه من أظهر علامات الإسلام أنه دين الأمانة، وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ. حَدَّثَنَا *«أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» * أخرجه مسلم حديث (١٤٣)، وأخرجه البخاري في “كتاب الرقاق” “باب رفع الأمانة ” حديث (٦٤٩٧). وكم هي الأحاديث الدالة على فضيلة هذه المزية وهذا الخلق الرفيع الذي إنما يتميز به الكرماء، وقد قال الله عز وجل مبينا أن أعظم أمانة هي أمانة الدين *﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾* [الأحزاب:٧٢]. فأعظم أمانة أمانة الدين، التوحيد عندك أمانة لا يجوز أن يصرف لغير الله عز وجل، وصرفه لغير الله خيانة، السنة عندك أمانة فيجب أن تتعبد لله عز وجل بها، والتعبد لغير الله بالبدعة خيانة، وهكذا الصلاة والصيام أمانة، أمنك الله هذه العبادات: *﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾* [النساء: ١٠٣]. والصيام أنت مؤمن فيه لا يراك أحد في خلوتك ومع ذلك تراقب الله عز وجل في هذه الشعيرة العظيمة، وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: *خمسٌ مَن جاء بهنَّ مع إيمانٍ دخَل الجنَّةَ مَن حافَظ على الصَّلواتِ الخمسِ على وضوئِهنَّ وركوعِهنَّ وسجودِهنَّ ومواقيتِهنَّ وصام رمضانَ وحجَّ البيتَ إن أستَطاع إليه سبيلًا وأعطى الزَّكاةَ طيِّبةً بها نفسُه وأدَّى الأمانةَ قيل: يا نبيَّ اللهِ وما أداءُ الأمانةِ؟ قال: الغسلُ من الجنابةِ إنَّ اللهَ لم يأمَنْ ابنَ آدمَ على شيءٍ من دينِه غيرِها*. غسل الجنابة، أصابتك جنابة ربما لا يعلم أحد بإصابتك بها إما في نومك أو غير ذلك ومع ذلك من الأمانة أن تطهر نفسك، ومن الأمانة أن تصلي بوضوء وطهارة تامة كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأمانة أداء الحقوق إلى الوالدين وإلى الجيران وإلى الأرحام وإلى غيرهم، ولذلك حضر النبي صلى الله عليه وسلم مما يضاد هذه الأمانة، وأخبر أن الخيانة صفة أهل النفاق والعياذ بالله أصحاب التلون *«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» *. الخيانة ظاهرة فيه، في دينه، في معاملاته، في عباداته، في كلامه، في جميع شأنه. وإذا رفعت الأمانة قامت الساعة ما يبقى إلا الكفار على وجه الأرض لا أمانة فيهم فتقوم الساعة، يقول الله عز وجل: *﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا ﴾*. أي مانة كلفت بها ينبغي أن تأديها إلى أهلها، كاملة موفورة ولك من الله الأجر والثواب، انظر إلى ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم: *«الخَادِم الأمِين المسلم الذي يؤدي ما وكل به له أجر»*، وهو عبارة عن خادم، إما ابن إما زوجة إما عبد، تقل له خذ هذا وأديه إلى ذلك المسكين، أو إلى ذلك اليتيم، أو إلى ذلك الرجل، فيكون له أجر بسبب أمانته، وقيامه بها، وقد ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة الجنة بالأمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *«اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ»*، ست أمور أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أتى بها كانت الجنة مضمونة له ، *«اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ»* رواه أحمد في “مسنده” عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. ومن الأمانات رد اللقطة، عن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة، فقال: *«اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنك بها» *. قال: فضالة الغنم؟ قال: *«هي لك، أو لأخيك، أو للذئب» *. قال: فضالة الإبل؟ قال: *«ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها» *.
المهم أن هذه مزية، يتصف بها الكرماء أداء الأمانة ويتخلقون بها في جميع شأنهم. وقد كانت العرب السارفة يتفاخرون بأداء الأمانة. أما الآن نسأل الله السلامة، قد فشت الخيانة في كثير من الأمور، الخيانة بين الأزواج، والخيانة بين الجيران، والخيانة بين الأرحام، والخيانة لدين رب العالمين، والخيانة للأمراء والحكام، والخيانة من الجميع اللواحم، عن ابن عمر رضي الله عنهما فسأله، قال: “إننا نبايع هؤلاء فإذا خرجنا من عندهم كان غير ذلك، فأنكر عليه وبين له أن هذه من الخيانة”، والله عز وجل حضر من إضاعة الأمانة، حضرنا من تضييعها، لما فيها من الضرر العظيم، أبناءك عندك أمانة *﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾* ومع ذلك أمانة يجب أن تقوم على تربيتهم والإحسان إليهم، وأن يأكلوا الحلال، ويدعا لهم، ويترفق بهم، ولتكن في جميع معاملاتك على الوجه الذي شرع الله هذه الأمانة.
*أد الأمانة والخيانة فاجتنب واعدل ولا تظلم يطب لك مكسب*
والله عز وجل توعد الخائنين *﴿وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾* وقد وصف الله عز وجل بالكيد والمكر والاستهزاء والسخرية وغير ذلك من الأوصاف التي يقابل الله عز وجل بها، لكن لما كان الخيانة صفة ذميمة قال: *﴿وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ﴾* ولم يقل يخنهم الله لأنه صفة ذميمة في جميع الأحوال لا تصدر إلا من لئيم ولذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري ثوبا من بعض اليهود فقال: إنما أراد محمد أن يذهب بمالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: *«كذب والله انه لا يعلم اني من اتقاكم لله وأداكم للأمانة»*.
من أداء الأمانة وضع الوصايا، وحفظ الوصايا، النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة أخر علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرد الأمانات التي كان يأمنها الناس إياها أخره وهو شاب صغير السن لكن الأمانة، أمانة لو أمنك أحدهم وهو سارق، وسرق حقك لا تخنه، جاء رجل يسرق على بعضهم ألف درهم، وصدقت منه ألف درهم، فجاء ذلك الرجل يستفتي، وقال: لقد دخل علي رجل وسرق ألف درهم، وترك ألف درهم، قال: “أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك”. سيأتي به الله ذلك الخائن سواء كانت خيانته في عينه، خيانته في سمعه، خيانته في بصره خيانته في أكله وشربه خيانته في معاملاته، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: *«وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» *. الخائن يأتي به الله ما على الإنسان إلا أن يتحلى بالأمانة وأن يتعود أدائها وإياها أن يفرط فيها، فإن هذا من أعظم ما يقرب إلى الله عز وجل المحافظة عليها، ومن الأمانة ما يقوم به الدعاة إلى الله عز وجل من أعظم الأمانات عليهم أن يوجهوا الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وإياهم والغش في الدعوة إلى الله عز وجل فإن الخيانة فيها أعظم من أي خيانة، الخيانة في الدعوة إلى الله، لأن الداعي إلى الله إذا خان المجتمع كان كاذبا على الله، وكاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما أدى إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال، ومن الخيانة أيضا ما يصدر من التحذير من الدعاة إلى الله، فإن الدعاء إلى الله بشر يصيبون ويخطئون ويعلمون ويجهلون لكن يبنغي أن لا يحذر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بل يحاث عليها، ويرغب فيها ويدعى إليها، ويثنى على حملتها، كل ذلك من الأمانات، التي أمر الله عز وجل أن تأدى إلى أهلها *﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾* وكل له حق في الأمانة بقدر ما له من الله عز وجل، فعلينا أن نأدي الحقوق التي علينا وأن نطلب الحق الذي لنا بقدر استطاعتنا، وإلا فالإنسان مخاطب بأمر الله، والابتعاد عن نهي الله، ولا يضره من ضل *﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ ﴾*
أسأل الله لي ولكم الرحمة والمغفرة.
والحمد لله رب العالمين.