📒#فوائد_رمضانية_لعام_1441_هـ
▪️للشيخ أبي محمد عبدالحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
📒فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 3_ *صلة الرحم وقطيعة الرحم.*
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
في يومنا هذا ٤ / من شهر رمضان / لعام ١٤٤١ .
نذكر أمرين عظيمين جليلين متقابلين.
أحدهما: سبب للسعادة، والآخر: من أسباب الشقاوة.
ألا وهو *صلة الرحم* و *قطيعة الرحم*.
فصلة الرحم سبب لكل خير، وقطيعة الرحم من أسبابب الشر والضير.
والأدلة على ذلك كثيرة منها، ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه: *«إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾. [محمد:22- 23].»*
فمن وصله الله عز وجل وصله لكل خير، ومن قطعه الله عز وجل قطعه من كل خير، والله المستعان.
وفي “صحيح البخاري” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: *«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»*.
من أحب سعة الرزق فعليه أن يكون وصالا للرحم، ومن أحب طول الأجل على قول لأهل العلم في تفسيرها فعليه بصلة الرحم.
ويكون مذكورا بالجميل، ولهذا حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان من مبادئ دعوته الأمر بصلة الأرحام، كما في حديث أبي سفيان وقد تقدم مرارا، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في طريق فجاءه رجل فأخذ بزمامة ناقته، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ – أَوْ يَا مُحَمَّدُ – أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: *«لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ»*، قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: *«تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ»* الحديث في الصحيحين عن أبي أيوب رضي الله عنه.
وشاهدنا منه أن الله أمر بالتوحيد والصلاة والزكاة ثم أمر بصلة الرحم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصالا للرحم قبل بعثته، ولهذا حين دخل على خديجة رضي الله عنها ترتجف بوادره قالت خديجة: *«كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ»*.
تصل الرحم، فشأنها عظيم اشتق الله اسمها من اسمه كما في حديث عائشة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: *«الرَّحِمُ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، مَن يَصِلُها يَصِلُه، و من يَقْطَعُهَا يقْطعْه، لها لَسِانٌ طلقٌ ذَلْقٌ يومَ القيامةِ»*. [صحيح الأدب المفرد: ٣٩، حديث عبدالله بن عمرو].
الرحم شجن من الرحمن قال الله *« مَن يَصِلُها يَصِلُه ومن يَقْطَعُهَا يقْطعْه»*، وفي حديث خارج الصحيح بين أن معنى شجن من الرحمن اشتقت لها من اسمي، نعم عباد الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: *«لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ»* أي: رحم كما في “الصحيحين” من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
*«لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ»* رحم كثير مما ينوب الناس ويحصل لهم في هذه الدنيا بسبب ما يقع منهم من البغي وقطيعة الأرحام، ولذلك جاء في حديث أبي بكرة رضي الله عنه: *«ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يدِّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ»* أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد.
قطعت الأرحام ووقعت بينها العداواة والمباغضات والقتال وسفك الدماء وغير ذلك.
ويجب أن يكون الإنسان واصلا لرحمه وإن فرط في حقه، في “صحيح البخاري” عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: *«ليس الواصلُ بالمكافِئ ولكنَّ الواصِلَ الذي إذا انقطعتْ رحمُه وصلَها»*، وصلني ابن عم وصلته، وصلني خال وصلته، وصلني أخي وصلته، *«ليس الواصلُ بالمكافِئ»* هذا يجازي على ما حصل له من الخير، *«ولكنَّ الواصِلَ الذي إذا انقطعتْ رحمُه وصلَها»*، من أجل الله، ولله سبحانه وتعالى، وفي “صحيح مسلم” عن أبي هريرة: أَنَّ رجلًا قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ لِي قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِم وَيُسِيئُونَ إِليَّ،وأَحْلُمُ عنهُمْ وَيَجْهَلُونَ علَيَّ، فَقَالَ: *لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ* -أي بالرماد الحار- *وَلا يَزَالُ معكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلكَ*. منصور ما دمت واصل لرحمك متقربا منهم بادرا لهم محسن إليهم وإن جفوك فإن الله عز وجل سيعينك وينصرك ويؤيك فشأن الرحم عظيم يبنغي للناس أن يأدوا هذا الحق *«من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليصلْ رحمَه»*.
هذا دليل على أن صلة الرحم من أعظم أسباب رضا الرب سبحانه وتعالى، ومن أعظم أسباب الحسنات والمكرومات في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فالشاهد يا عباد الله على الإنسان أن يكون وصالا لرحمه وليس القصد من صلة الرحم فقط أن تعطيهم المال قد يكون الرحم غنيا، وليس القصد من صلة الرحم أن تذهب إليه بالزيارة فقط قد يكون الإنسان بجانبك وتراه ليل نهار والقطيعة حاصلة ولكن المراد من صلة الرحم ما يقع بين الأرحام من التواصل والتصافي وسلامة القلوب وبذل الإحسان لبعضهم البعض والتفقد لحوائجهم وغير ذلك مما ينوبهم فإن الإنسان بطبيعته لا يستغني عن أخيه
*الناس للناس من بدو وحاضرة ◆◇◆ بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم*
فهذا هو فلذلك ينبغي أن يكون إحسانك إلى ذي رحمك أكثر من إحسانك إلى غيرهم لأن الله وصى بذلك وأمر بذلك، وكم من إنسان مع غير رحمه على أحسن حال في كلامه في حديثه في بذله في عطائه في تواصله، وإذا كان مع الرحم كان بينهما التهاجر والتقاطع والتدابر ما السبب؟! اختلفوا من أجل أرض أو من أجل بيت أو من أجل مدخل أو من أجل مخرج أو غير ذلك لأن الرحم تخالطها كثيرا، الرحم تقع بينها المخالطة كثيرا فلذلك قد يقع بينهم أسباب تنافر فأنت مأمور بالصلة، ولست مأمورا بالتنافر وإن وقع ما وقع، عليك أن تكون صاحب عفو وصفح وتجاوز، نعم عباد الله هذا حق عظيم ينبغي أن نأتي به صلة الأرحام سبب لصلة الله لك ولا سواء وإن فضل الله واسع يعني حين تصل رحمك تصل مخلوق مثلك امرأة، رجل، عم، خال، ابن عم، ابن خال، جد، ابن جد، أو نحو ذلك من الأمور مخلوق مثلك تصله يصلك الله بخيره وفضله واستجابة دعائك وتفريج كربتك وإصلاح حالك إلى غير ذلك. *”ومن قطعها قطعته”*، يقطعك الله، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشوت ربهم ويخافون سوء الحساب هؤلاء وعدوا بالجنة، لأنهم وصلوا ما أمر الله به أن يوصل، بينما أولئك الذين قطعوا ما أمر الله له أن يوصل قطعهم الله فلا بركة في أعمارهم ولا بركة في أموالهم ولا بركة في أموالهم وبركة في جميع شأنهم لأنه مقطوع من الله سبحانه وتعالى، فعلينا يا عباد الله بصلة الأرحام والإحسان إليهم والتلطف بهم والعفو والصفح عنهم، وحتى إن أسائوا إليك أو أسأنا إليهم نبارد إلى التوبة إلى الله عز وجل أولا، والتصافي والتسامح ثانيا، وصلة الرحم ليست فقط ما تقدم ذكره من جد، أو ابن كذا، بل ربما يكون إلى الجد السادس وأكثر، كل هؤلاء أرحام، وفي “الصحيحين” عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: *كانَ أبو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالًا مِن نَخْلٍ، وكانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُهَا ويَشْرَبُ مِن مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:٩٢] قَامَ أبو طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يقولُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران:٩٢] وإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أرْجُو برَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يا رَسولَ اللَّهِ حَيْثُ أرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَخٍ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، وقدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أبو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ*. فأعطاها لحسان بن ثابت. وكانوا يشتركون في الجد السادس النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم لذي قرابتهم فأعطاها حسانا وبينهم ستة جدود، ربما كثير منا الآن يعتبر صاحب الجد الثالث ليس من القرابة ولا من الأسرة ولا له حق ولا له التفات، نعم فيجب علينا أن نأدي حقوق التي تجب علينا فإن الله أعطى كل ذي حق حقه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
والحمدلله رب العالمين.