فوائد رمضانية لعام 1441 هـ
▪️للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 8_*شكران النعم وكفرانها. *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
في يوم ١٠ / من رمضان / لعام ١٤٤١.
نتذاكر أمرا محمودا، وأمرا مذموما في شرعنا، ألا وهما: شكران النعم وكفرانها.
فإن الخلق الأول من أشهر وأظهر سمات المؤمنين، والخلق الثاني من أشهر وأظهر صفات الكافرين. ولذلك قال الله عز وجل: *﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧) ﴾*. وهذا أمر عام في جميع نعم الله، الظاهرة والباطنة. فإن النعمة إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت، ولذلك قيل:
إِذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَاِرعَها** *فَإِنَّ المَعاصي تُزيلُ النِعَم
وَحافِظ عَلَيها بِشكر الإِلَهِ* **فَإِنَّ الإِلَهَ سَريعُ النِّقَم
والأمثلة على ذلك ظاهرة وجلية، والله عز وجل أمر آل داود وهو أمر لجميع المؤمنين، *﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣) ﴾*. وسيقت هذه الآية في سورة سبأ، ذكر الله شكر آل داود، وما وعدهم به من الخير وذكر بسليمان وأعطاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، بسبب شكره وذكره وطاعته ودعائه ربه. بينما دمدم على قوم سبأ، الذين أعرضوا فكان ما كان، *﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧) ﴾*.
فحمد الله وشكره من الأمور المهمة في ديننا وشرعنا، ولذلك افتتح الله كتابه وخلقه بالحمد، *﴿ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) ﴾*. *﴿ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) ﴾*. وختمها بالحمد *﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥) ﴾*. حين أدخل أهل الجنة الجنة وخلدوا فلا موت، وأدخل أهل النار النار فخلدوا ولا موت، قال: *﴿ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾*. يحمد على عظيم مننه، وكريم نعمه، كما يحمد على عظيم عدله سبحانه وتعالى، ولأهمية الحمد افتتح به اليوم واختتم، *﴿فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)﴾* وربنا عز وجل يرضى عن العبد، يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها، إذا كانت شربة وأكلة يرضى الله عنك إذا حمدته عليها، فكيف إذا حمدته وشكرته على نعمة الإسلام والسنة والاستقامة وغير ذلك من النعم العظيمة، إن حمد الله وشكر الله من أعظم أسباب رضا الله، وإن الله ابتلى العباد بالشكر والكفر، *﴿هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)﴾*.
أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع، لاختبار الناس من الذي يشكر النعمة فيضاعفها له ويزيدها عليها، ومن يشكر الله يلقى المزيد، ومن يكفر الله يلقى الغار، ومن الذي يكفره فتسلب منه النعمة، *﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ﴾*. نعم يا عباد الله، فعلى الإنسان أن يكون شاكرا لله بلسانه حاله ومقاله، لأن الشكر ليس هو شكر اللسان فقط، كما يظنه جماهير الناس بل الشكر يكون لله بالقلب استكانة وخضوعا ويكون باللسان ذكرا وثناء، ويكون بالجوارح انقيادا واستسلاما، ولذلك كان النبي ﷺ يقوم الليل حتى تتفطر قدماه قيل له، قال: *«أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» *.
فالعبد الشكور هو الذي يسخر جوارحه في طاعة الله، وفي مرضاة الله، ومن أشهر وأظهر طرق الحمد والشكر: اللسان. أن يكون هجيم العبد، الحمد لله والشكر لله *﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١) ﴾*.
ومن حمد الله وشكره شكر من أحسن إليك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: *«لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا ﻣَﻦْ ﻟَﺎ ﻳَﺸْﻜُﺮُ ﺍﻟﻨَّﺎﺱَ» *.
فيا عباد الله حافظوا على شكر الله، يزدكم الله عز وجل من فضله، فهو الشكور ومن شكره أنه يضعف للعبد الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعة مائة ضعف، *﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَ ن يَشَاءُ ۗ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) ﴾*. فيعمل العبد العمل اليسير ويشكره الله عليه، ويضاعف له، *﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ ﴾* لماذا؟ *﴿ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) ﴾*، فاسمه الشكور فتخلق بهذا الخلق، واتصف به فإنه صفة كمال وصفة مدح، *﴿ وَلِلهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ ﴾*، *﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) ﴾* بينما كفران النعم مأذون بزوالها وذهاب بركتها، وحصول ضررها، وما دمدم الله عز وجل على الكافرين، وقست قلوبهم إلا بعدم شكرهم لله، وخضوعهم لله، إذ امتن الله عليهم بالمال والولد والضيعات وغير ذلك، نسبوها إلى أنفسهم كما قال الله عز وجل عن قارون: *﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ﴾*. وعلى سبيل فضلهم كما أخبر الله عز وجل عن صاحب الجنة ينسب النعمة إلى نفسه، وقد دمدم الله عز وجل أولئك الذين نسبوا النعمة لأنفسهم كما في الحديث الثلاثة الذين من بني إسرائيل اختبرهم الله الأعمى والأقرع والأبرص فكان من قصتهم ما كان، فلما كان الاختبار، قال الأبرص: إنما ورثت هذا المال كابر عن كابر، وقال الأقرع: إنما ورثت هذا المال كابر عن كابر، قال لهم الملك الذي أرسل إليهم بصورة رجل: إن كنت كاذبا في ما قلت فسيرك الله إلى ما كنت. وقال الأعمى: نعم كنت فقيرا فأغناني الله، وأعمى فعافاني الله خذ ما شئت ودع ما شئت. قال: إنما رضي الله عنك وسخط عن صاحبيك ابتليتم فرضي الله عنك وسخط عن صاحبيك.
فإذا أردت دوام النعمة فاشكرها وإذا تعجلت زوالها فلا أسرع من كفرانها، كما ذكر الله عز وجل قصة أصحاب الجنة، *﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (٢٢) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾*. الطغيان وعدم شكر النعم سبب لزوالها بينما في الباب الثاني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: *«بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ -لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ -فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ» *.
فأكرمه الله، بهذه الكرامات العظيمات، والمنزلات الرافعات في الدنيا فما بالك بالآخرة التي أعد الله للمؤمنين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
فالشكر الشكر، وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: *«عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ» *. يمرض فيحمد الله يعلم أن الله أراد به خيرا تكفير الذنوب، ورفع الدرجات، يصيبه الفقر يشكر الله ويحمده على ما أراده يحمده على حكمته، ويشكره على ما هو فيه من النعمة، صحة البدن، صحة العقل، إلى غير ذلك. بينما الكافر في ليله ونهاره وسره وجهاره وهو لا يرى لله نعمة ولا يرى له شكرا، ولذلك دمدم الله عليهم في الدنيا والآخرة، فكن شاكرا بقولك، وشاكرا بفعلك، وشاكرا باعتقادك، مستحضرا لعظيم نعمه، وجزيل مننه، فإن هذا من أسباب صلاح العبد واستقامته على الدين، لأنه يعلم أن كل ما هو فيه منخير من الله، وما هو فيه من شر ونقص فبسبب ذنوبه ومعاصيه. ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد
والحمد لله رب العالمين.