فوائد رمضانية لعام 1441 هـ
️للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 10 *التواضع والكبر.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد وصف الله عز وجل نفسه بقوله: *﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ﴾* وذكر منها: *﴿ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾*، فهو الجبار ذو الجبروت، والمتكبر ذو الكبرياء، ولذلك قال سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ: *«قَالَ الله عزَّ وجلَّ: العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقَدْ عذَّبتُه» * رواه مسلم.
وحق له أن يتكبر سبحانه وتعالى، فهو الكامل في ذاته، والكامل في صفاته، لا يقهر ولا يغلب، والملك ملكه، والأمر أمره. بينما كان الكبر في حق الإنسان ضعه ضعف وسوء الخلق، لأن الإنسان ضعيف في طبعه، ومحتاج إلى غيره، فكان المتعين أن يتواضع، عن أبي هُريرة: أَنَّ رسولَ الله ﷺ قَالَ: *«ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» * رواه مسلم.
قيل معنى الحديث: رفعه في الدنيا بثناء الناس عليه، ورفعه في الآخرة الدرجات جزاء عمله. وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: *«إِنَّ اللهَ تعالى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، ولَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» *. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
فالتواضع يحملك على لين الجانب، وحسن الحديث مع الغير، والإحسان إليهم والتجاوز عنهم، فهو خلق عظيم سبب لكثير من الأخلاق العظيمة الجليلة الجميلة، ولهذا كان النبي ﷺ يحلب شاته ويفلي ثوبه ويخسف نعله، وهذا يدل على عظيم تواضعه، خير البرية وأفضل البشرية، يصلح نعله إذا انقطع، ويحلب شاته إذا أحتاج إلى اللبن، ويخيط ثوبه إذا أحتاج إلى الخياطه، وربما جاءت الجارية الصغيرة فتأخذ بيده ﷺ وتشكو عليه حتى يكمل حاجتها. وكان لا يأنف أن يجلس مع الضعيف و المسكين وكانوا عند قريش عبيد ومع ذلك كان يجالس صهيب الرومي، وبلال الحبشي وعبد الله بن مسعود الهذلي وفي المدينة من أمثال سلمان الفارسي، وكلهم عنده في المقام المعلى، لأنهم أصحاب العمل الصالح، وأصحاب الإيمان، وكان ﷺ ربما دعي إلى ذراع أو كراع فيجيب وربما دعي إلى ورقة فيجيب وهذا من عظيم تواضعه، وربما جلس على الأرض ويركب على الحمار والبغلة البعير بل كان يعتقب في غزوة بدر على بعير واحد هو وعلي بن أبي طالب وأبو لبابة ﷺ، قالوا يا رسول الله: اركب فأنت أحق قال ما أنتم بأقوى مني ولا بأحرص على الأجر مني .. أو كما قال ﷺ. كل هذا تواضع.
الآن إذا رأيت مسؤول ربما مدير مدرسة أو ربما مسؤول على كتيبة أو على دون ذلك وإذا به فين، ما أحد يصل إليه. وذاك خير البشرية رسول ومع ذلك كان في غاية التواضع لله، والتواضع مع عباد الله. وهكذا أصحابه، أبو بكر رضي الله عنه لما قال لي بلال وصهيب وسلمان: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ قال له النبي ﷺ: *«يَا أَبا بَكْر، لَعلَّكَ أَغْضَبْتَهُم؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ» *، وما أخذه الكبر ويقول كيف أنا أبو بكر أنا الذي ناصرك أنا الذي بذلت مالي أنا الذي فعلت، أبدا. وإنما ذهب إليهم: يَا إِخْوتَاهُ، آغْضَبْتُكُمْ؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي. ما بينهم شيئا انظروا إلى تواضعه يذهب ويعتذر من خطإه، ومما حدث منه، وهكذا كانوا يتواضعون لأنفسهم فقلّت خلافاتهم وعظمت محبتهم وزادت مكروماتهم، فمن أقتر على أخيه اعتذر، ومن كان ذا سعة أنفق وبذل وشكر، ورباهم النبي ﷺ وعلمهم وأدبهم على هذا الخلق العظيم، يجتمعون في المساجد الغني والفقير والجميع فيجتمعون في الحج بلباس واحد يجتمعون في العيد لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى، *﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ﴾*.
وأهل الجنة هم أهل التواضع كل ضعيف متضعف، ضعيف في نفسه ويتضعف للمسلمين، وما أحسن تلك الأبيات التي ربما قد سُمعت لأكثركم:
*تواضع تكن كالنجم*
*لاح لناظرٍ على صفحات الماء وهو رفيع*.
يظهر كأنه في البركة، وهو في أعالي السماء.
*ولا تكُ كالدخان يعلو بنفسه*
*إلى طبقات الجو وهو وضيع*
دخان يسبب الأذى للأنف والأذى للعين، ومع ذلك يطلع إلى الأعالي، فتواضع بارك الله فيك، وأعظمه التواضع لله، بالتوحيد وإفراد الله بما يجب له، فإن إبليس أصل كفره الكبر، *﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) ﴾*.
*﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ﴾*، فأعظم أسباب كفر الكافرين الكبر، الكبر على دين الله، الكبر على رسل الله، الكبر على المستضعفين من عباد الله. انظر إلى قوم صالح حيث قال الذين استكبروا للذين استضعفوا *﴿ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) ﴾*. الضعفاء قالوا: *﴿ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) ﴾*، *﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) ﴾*. وهكذا (الحجج) ولكن يوم القيامة سيذل أهل الكبر، ومن إليهم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: *«يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له: بُولَسُ تعلُوهم نارُ الأنيارِ يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ»*. نعوذ بالله، انظر إلى هذا الحديث المتكبر لماذا يتكبر، لأجل أن يكون رفيعا على الناس ولكن يحشر يوم القيامة على صورة ذرة، فيها أثر رجل ذرة لا تمنع من وطئها، ولا يراها من مشى عليها، في حالة مزرية. يطئهم كل شيء، كل من يحشر في الموقف يطئ هؤلاء، يدوس عليهم لصغارهم وذلتهم وحقارتهم عند الله، ثم يضعون في سجن في النار مع أنها كلها عذاب. سجن يقال له: بولس تعلوه نار الأنيار، قال العلماء: نار تعذب النار كعذاب النار لغيرها تعلوه نار الأنيار. نار تتعذب بها النار، نسأل الله السلامة.
يشربون من عصارة أهل النار، شرابهم قيح أهل النار، وصديد أهل النار، وذمار أهل النار، نسأل الله السلامة. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال النبي ﷺ: *«مَنْ تَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ، وَاخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» *. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قعد يبكي في الطريق فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن ما يبكيك فأشار إلى عبد الله بن عمر وقد جاوزه فقال: زعم هذا أن النبي ﷺ يقول: لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر.
والكبر رد الحق، ليس الكبر أن تلبس الجديد ولا أن تركب الجيد، الكبر بطر الحق وغمص الناس. كما في حديث عبد الله بن مسعود وجاء عن ابن عمرو *«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ» * قال رجل: يا رسول الله إنَّ الرَّجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟ قال: *«إنَّ اللَه جميل يحبُّ الجمال، الكبر: بطر الحقِّ» * رد الحق، الإعراض عن الحق، الزهد في الحق، تعاليا وتعاضما، *«وغمط النَّاس» *. إحتقار الناس، فلا تحتقر أحدا للونه، ولا لفقره ولا لمرضه، ولا لشيء من شأنه، فالأمر إلى الله الذي جعله على هذا الحال. وإنما يحقر أهل الشرك والمعصية والبدعة، لأن الكرامة عند الله بقدر الطاعة، قال الله عز وجل: *﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ﴾*.
الكبر سبب في إهلاك أمم أغلب الأمم الكافرة تكبرت على أنبيائهم ورسلهم ودمدم الله عليهم بسبب كبرهم وعنادهم، وجعلهم في الذل والصغار، زد على ذلك ما قصه الله عز وجل علينا من خبر قارون الذي تكبر لكثرة ماله، ولكثرة أتباعه، وكثرة ما معه، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، بينما رجل يختال في مشيته قد أعجبته نفسه فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية.
فالتواضع يا عبد الله يحملك على قبول الحق، وعلى إنالة القول والفعل للخلق ويحملك على الرجوع عن الباطل، وهو خلق كريم اتصف به جميع الأنبياء والمرسلين ومن إليهم من المؤمنين. بينما الكبر خلق الشيطان. أما الرحمن فهو أهله سبحانه وتعالى، لكن خلق الشيطان أنه تكبر وليس بأهل الكبر فأعرض عن أمر الرحمن، وأبى ليسجد لآدم عليه السلام، فجوزي واضطربي من الجنان، وتوعد بالخلود في النيران كما أخبر الله عز وجل وهو من أعظم أسباب رد الحق، وازدراء الخلق.
فاعرف قدر نفسك يا إنسان، وأن أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة. وأنت بين ذلك تحمل العذرة فلماذا تتكبر. إن كان الكبر لجمالك فالجمال عطاء الله لك، وإن كان الكبر لمالك فالمال رزق الله لك، وإن كان الكبر لوظيفتك فالله عز وجل هو الذي مكننك من ذلك وهو القادر على أن يسلب ذلك كله منك، فتصبح لا تروي على شيء. وأعظم المتكبرين بعد الكافرين الفقير إذا تكبر، لأن ليس له دواعي للكبر إلا سوء النفس، وَعنْ أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: *«ثَلاثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّه يوْمَ الْقِيَامةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلا ينْظُرُ إلَيْهِمْ، ولَهُمْ عذَابٌ أليمٌ: شَيْخٌ زَانٍ» * شيخ كبير السن ليس له رغبة في النساء، قد فطرت أعظائه ومع ذلك يبحث عن هذا الشر. *«ومَلِكٌ كَذَّابٌ» * ملك يستطيع يأمر وينهى ما يحتاج إلى الكذب، ولا لا إله إلا الله ما أكثر الكذب في ملوك في هذا الزمان، نسأل الله السلامة والعافية. *«وعائلٌ مستكبر» * فقير، الفقير حق أن يكون متواضع متذلل خاضع ومع ذلك يستكبر هذا لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم.
فلابد للإنسان أن يتواضع لله، وأن يتواضع لسنة رسول الله ﷺ وأن يتواضع لعباد الله المؤمنين. ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لطاعته ومرضاته.
والحمد لله رب العالمين