فوائد رمضانية لعام 1441 هـ
️للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 11_ الحياء والجفاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد:
فنحن في اليوم ١٣ / من رمضان / لعام ١٤٤١.
وسنتكلم عن خلقين أحدهما من صفات أهل الإيمان، والآخر من صفات أهل النفاق والإجرام، ألا وهما: *الحياء والجفاء*.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ قال: *«الحياء مِن الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبَذَاء مِن الجَفَاء، والجَفَاء في النَّار» *. فالحياء يا عباد الله صفة عظيمة، من اتصف بها رجي خيره وقلة معاصيه وشروره، ومن حرمها لم يبالي ما صدر منه، وكان في حديث عقبة بن عمرو رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: *«إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ» *. والعامة يقولون: إذا لم تستحي فاصنع ما تشتهي. وهذا ليس على الإباحة، وإنما هو على الإنكار والتهديد والذم، فإذا قل حياء المرئ يصدر منه كل الشر، وإذا عظم حياءه كانت أعماله على الخير والصلاح. ولهذا قال النبي ﷺ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عند “مسلم”: *«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» *. أتفق عليه في هذه اللفظة.
وفي حديث عمران بن حصين قال النبي ﷺ: *«الحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ» *. وفي لفظ: *«الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ» *. وفي لفظ: *«الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» *. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه مر النبي ﷺ برجل يعظ أخاه بالحياء قال: *«دَعْهُ فَإِنَّ الحَيَاءُ لَا يَأْتي إلَّا بِخَيْرٍ» *.
وأخبر النبي ﷺ أن الحياء والإيمان مقرونان فإذا رفع أحدهما رفع الآخر.
الحياء من الله عز وجل مطلوب وسبب للضفر، سأل رجل النبي ﷺ عما يظهر من عورته فأمره أن يحفظ عورته، فسأله عن التعري إذا كان وحده، قال: *«فاللهُ أحَقُّ أن يُستَحْيا مِنه» *. والنبي ﷺ رأى شبابا يلعبون وهم عراة فقال ﷺ: *«لَا مِنَ اللهِ اسْتَحْيَوْا، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ اسْتَتَرُوا» *.
وقد كانت نسائهم لا سيما ذات الخدر ذات حياء وعفة، وحشمة فقلة عندهم الشرور وكثرة عندهم أفعال الخير. ومن أعظم من اتصف بالحياء من المخلوقين النبي ﷺ. قيل في وصفه: *”كَانَ أشدَّ حياءً من عذراءَ في خِدْرِها”*.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يستحيون منه، حتى لربما لم يرفعوا وجوههم إلى وجهه، كما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه ولو سئلت أن أصنف النبي ﷺ ما استطعت. لأنه كان يستحي أن يرفع وجهه إليه.
شاهدنا ما جاء في الحديث
*«إنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ» *.
فيا أيها المسلم، ينبغي أن تغلب في قلبك هذه الصفة، فإن منها الجبلي الذي جبل الله عز وجل الناس عليه، ومنها المكتسب حيث تعلم أن الله عز وجل يراك، وتستحي أن تلقى الله بذنوبك وتستحي أن ترى لي في أماكن التهم والريب والفساد، فإنك إذا فعلت ذلك كنت في خير وصرت إلى خير حتى ولو كنت وحدك، في ليلة مظلمة وغرفة موصدة، تستحي من الله أن ترى ما لم يأذن به، أو أن تفعل ما لم يشرعه، بل ربما ما يكون قدحا رماه سبحانه وتعالى. فعلى الإنسان أن يتقي الله عز وجل في خلواته وجلواته، من قبل أن يقف بين يدي الله فما يكون جوابه، حين يحاسب على أعماله.
فعلى الإنسان أن يلازم الحياء، ويعلم الأبناء به، وتعلم النساء. بينما كثير من الناس إذا رأى ولده على حياء أو رأى وليته على حياء وإذا بهم يجرهم إلى الشر، ربما زجر الولد عن الحياء وربما دعا وليته إلى نزع الحياء بدعوة التحضر وأن الاختلاط رجعية، وأن الناس على حال سواء، كلنا إخوة، أو كلنا كذا، والنبي ﷺ يقول: *«الْحَمْوُ الْمَوْتُ» *. فعلينا أن نعود أنفسنا الحياء مع الله أولا، ثم مع سنة رسول الله ﷺ ثانيا، فنبتعد عن البدع والمنكرات والمحدثات، ثم مع العباد ثالثا فلا يصدر منا إليهم ما يسيئ ولا تظهر من أعمالنا القبيحة ما يشيم مع وجوب التوبة في السراء والضراء لكن بعض الناس قد يجاهر لقلة الحياء الذي في قلبه، قال النبي ﷺ *«أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَاهرةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا»*. فيكشف ستر الله عليه.
وأما الجفاء، والبذاءة فهي من أخلاق أهل النفاق، جفاءة في أخلاقهم، وبذاءة في أقوالهم، وهذه مخالفة لطريق أهل الإيمان والإحسان، فمن تقدم سبيلهم الحياء في كلامهم مع غيرهم في معاملاتهم مع غيرهم، وهؤلاء سبيلهم الجفاء غلظه القول وشده الفعل وبغض في القلب إلى غير ذلك. فإذا أردت أن تكون من أهل الجنة فتحلى بالحياء وتزيا به واجعله شِعارك، واجعله دثارك، وجعله مقارنا لك في خلوتك وجلوتك، وفي حظرك وفي سفرك كما قال النبي ﷺ: *«الحَيَاءُ وَالإِيمَانُ مَقرُونَانِ» * قرينان *«فإذا رُفِعَ أحدُهما رُفِعَ الآخَرُ» *. والمعنى أيضا إذا ضعف أحدهما ضعف الآخر، إذن علينا أن نراقب الله سبحانه وتعالى.
وأما الجفاء فانظر إلى ما حصل من المنافقين تجاه النبي ﷺ، يأتي أحدهم ويقول: “اعدل يا محمد والله إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله”. نفاق وسوء سريرة وقلة أدب، وعدم الحياء. ويأتي الآخر يقل له: أتي يستغفر لك رسول الله قال: “لئن أجد جملي خير لي من أن يستغفر لي صاحبكم”. إلى أبعد أوجه السفه ولقلت حيائهم تكلموا في عرض النبي ﷺ عائشة البريئة المبرئة واتهموها بما هي بريئة منه.
*حَصانٌ رَزانٌ ما تُزِنُّ بِريبَةٍ* *وَتُصبِحُ غَرثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ*
ولقلة حيائهم أرادوا قتل النبي ﷺ كما في غزوة تبوك، ولقلة حيائهم خذلوا النبي ﷺ في الأحزاب وأحد، “وإذا قيل لهم، قالوا: بيوتنا عورة نخشى الفتنة من خروجنا معك”، لأن قلة الحياء تأدي إلى عدم المبالة، يعرف أنه تعرف أنه كذاب ومع ذلك يكذب ولا يبالي.
فيا عباد الله الصفات الحميدة ينبغي أن تنمى في قلوبنا وفي قلوب أبنائنا وفي قلوب نسائنا وفي قلوب مجتمعاتنا فإنها سبيل العزة والكرامة. والصفات الذميمة ينبغي أن تحارب في المجتمعات ويحضر منها لأنها من الأخلاق السفيهة الذميمة. وقد جاء حديث لا يثبت عن النبي ﷺ ولكن المعنى فيه صحة، “استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: وما حق الحياء؟ قال: أن تحفظ البطن وما وعى، والرأس وما حوى، وأن تذكر الموت والبِلا، وأن تستعد للآخرة وتترك الأولى”. هذا هو الصحيح، أن تكون حافظا لبطنك فلا تأكل الحرام، ولرأسك فلا يتعاطا الحرام، وأن تكون ذاكرا للموت بحيث إذا قدمت على الله عز وجل وتحاسب على حسن أعمالك وتبت من سيئها تستحي أن تلاقي الله بالمظالم تستحي أن تلاقي الله عز وجل بحقوق الناس تستحي أن تلاقي الله عز وجل بذنوبك ولذلك تبادر إلى التوبة والإنابة كما أمر الله عز وجل، وأن تذكر الموت لأن الإنسان إذا ذكر الموت قلة كثير من شروره لزهده في هذه الدنيا ولرغبته في الآخرة، وأن تقدم الآخرة والعمل لها على الأولى وهي الدنيا *﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (١٧)﴾*. فالآخرة خير وأبقى، وتنال بالحياء بهذه الصفة الحميدة الذي هو من الإيمان.
وليس من الحياء الخجل أن الإنسان يترك الواجب ويقول أنا أستحي من الناس. ربما ما يستطيع يلبس الثوب يستحي من الناس، هذا ما هو حياء هذا خور، تلبس ما لبس النبي ﷺ وتزود بما تزود النبي ﷺ، وافعل ما فعل النبي ﷺ متعبدا إلى الله، ولا تتهيب من الناس، فإن التهيب من الناس خور، وكذلك ما يقوله كثير من الناس: “أخي لا تستحي”. هذا لا يصلح أن تأمر بعدم الحياء ولكن إذا كان في أمر مباح قل: “لا تخجل”. افعل ذلك ولا حرج عليك. أما على الإطلاق: “فلا تستحي”. ونحو ذلك فتصان هذه اللفظة وهذا الأمر.
ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وأن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو.
والحمد لله رب العالمين