فوائد رمضانية لعام 1441 هـ
الشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
الفائدة 12الغيرة وعدمها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
في يوم ١٤ / من رمضان / لعام ١٤٤١.
نتكلم عن أمر اتصف الله عز وجل به، واتصف به رسوله ﷺ، ويتصف به خلص المؤمنين في كل زمن وحين، والآخر إنما هو خلق الفاسقين، ومن ضعف عندهم التمسك بالدين، ألا وهو الغيرة على محارم الله، وعدم ذلك.
وقد جاء في الصحيح عن عائشة وغيرها أن النبي ﷺ، قال: *«يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ» *. فحرم الله عز وجل الزنى واللواط، وغير ذلك من الفواحش التي يتعاطاها الإنسان الجاهل، الجهول. غيرة منه سبحانه وتعالى. وهي صفة تليق بجلاله *﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) ﴾*.
وفي الحديث أن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: “يا رسول الله والله لو وجدت رجلا عند امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح”. أي يضربه ضربة قاتلة ويبادره بها. فالتفت النبي ﷺ إلى أصحابه وقال لهم: *«أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَاللهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْه وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي» *. فهو خلق يتصف به كل إنسان عنده كرم وشجاعة ومروءة وعفة يغار على زوجه، وعلى محارمه، أن يقع أو يتعرض لهم بالسوء.
عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: *«دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا أَوْ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ» *. فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ أَوَ عَلَيْكَ يُغَارُ.
شاهدنا أن غيرة عمر قد علمت عند رسول الله ﷺ وعند غيره من المسلمين وهكذا كان رجالهم،وفي “الصحيح” عن أبي سعيد أن شابا تزوج امرأة، ثم استأذن النبي ﷺ، ورجع إلى بيته فوجدها على باب البيت، فاختلط سيفه، فقالت له لا تعجل، فلما قرب رأى الحية العظيمة في البيت، فقالت له: هذا الذي أخرجني، فدخل وبادرها بطعنه فاهتز قالوا: ما ندري أيهما أسرع موتا الحية أم الشاب. ثم قال النيي ﷺ: *«إن هذه البيوت فيها جنان» * أي: حيات *«من الجن فانذروهن ثلاثا» *
الشاهد غيره هذا الشاب حيث رأى امرأته على باب الدار.
وهكذا تزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنها وعن أبيها، واشترطت عليه أن تخرج للصلاة في المسجد فكان يخرجها على مضمن ويقول: قال النبي ﷺ: *«لا تَمْنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ» *.
واشتهر الزبير بن العوام بالغيرة، على زوجه، ولما تزوج عاتكة بعد موت عمر رضي الله عنه اشترطت عليه أن تخرج إلى المسجد، فأذن لها مع كراهته لخروجها، وففي ليلة من الليالي عمل حيلة واختبأ لها في مكان فلما خرجت من عنده ضربها على عجزتها فرجعت تجري إلى بيتها، ثم قال: رأيتك لم تشهدي الصلاة. قالت: كنا نخرج للصلاة إذ صلح الناس، فلما فسد الناس بقينا في بيوتنا. أو بمعنى ما قالت.
فالشاهد أن غيرة الرجال على نسائهم ومن إليهم وغيرة النساء على أنفسهن يعتبر من أعلى وأحسن الصفات المبعدة لهذا الإنسان عن أسباب الشهوات المفضلة إلى ضياع الدنيا والدين نسأل الله السلامة والعافية.
كن النساء في عهد النبي ﷺ يشهدن الصلاة متلفعات بمروطهن لا يعلمهن أحد من الغلس، يخرجن متلفعات متجلببات، وأمر الله عز وجل بالحجاب، وأمر الله عز وجل بقرار المرأة في بيتها، ونهى الله عز وجل عن التبرج، تبرج الجاهلية، كل ذلك غيرة أن تنتهك حرمة المسلم.
والغيرة، غيرتان:
غيرة ممدوحة؛ يحبها الله.
وغيرة مذمومة؛ يبغضها الله.
فالممدوحة: هي التي تكون عن ريبة، إذا رأى ما يريبه في أهل بيته أو من يليه زجرهم وعطرهم عما هم فيه.
والمذمومة: أن تكون على غير ريبة، والناس في هذه الصفة، ثلاث أقسام صفة الغيرة:
منهم من يغار في الحق والباطل، وربما شدد على نفسه وعلى زوجه، ودخل في باب الوساوس وتَعِب وأَتْعَب.
ومنهم من لا يبالي من خرج ومن دخل ومن ذهب ومن أتى، وعلى أي حال.
ومنهم الوسط وهم الذين يعلمون أنفسهم وأهاليهم طاعة الله عز وجل وإذا رأى ما يحتاج إلى تقويم قوم ونحو ذلك.
فاستقامة الأسرة المسلمة قائمة على الغيرة، الغيرة على المحارم، الغيرة على حرمات الله أن تنتهك.
والأمر الثاني المستقبح: *الدياثة*.
وهو أن يرضى في أهله الفساد، ولا يلزم الفاحشة المستقبحة العظيمة، ولكن من رضي حتى ما دون ذلك.
وفي الحديث *«لا يدخلُ الجنَّةَ دَيُّوثٌ» *. فكثير من الناس لا يلتفت إلى أهل بيته وما يقع منهم، يا أخي المرأة مسكينة ضعيفة العقل ضعيفة الدين، سريعة التأثر.
*خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ**وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ*
والنبي ﷺ يقول: *«مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» *. فلذلك كان من المتعينات على الآباء والأمهات والأزواج ومن إليهم أن يرعوا هذه المرأة بتوجيهها، ونصحها والدعاء لها، وعدم فتح الحبل على الغارب كما يقال، في خرجاتها ودخلاتها، لابد أن يكون الإنسان عالما بشأن أهله، مع عدم التشديد وعدم إساءة الظن، فإن إساءة الظن مذمومة، قال الله عز وجل: *﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ ﴾*. وقال النبي ﷺ: *«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» *. ولا يتجسس عليها، ولا تتجسس عليه، فإن ذلك من أسباب فساد الجميع. *”قد نهينا عن التّجسّس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به”* حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. فالتجسس قد يأدي إلى الإفساد وأنت لا تشعر، فعلى الإنسان أن يتعامل بالظاهر، مع نفسه ومع أهل بيته ومع جيرانه ومع أصدقائه وعلى كل من يخالط احمل على السلامة إلا من ظهر لك غير ذلك، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كنا نتعامل في عهد النبي ﷺ بالوحي والآن من أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وسريرته إلى الله، ومن لم يظهر لنا خيرا لم نأمنه ولم نقربه ولو قال أن سريرته حسنه”.
عباد الله؛ إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من الواتسابات والفيسبوك والتليجرام واليوتيوب وغير ذلك من الوسائل أدى إلى إفساد كثير من النساء، وإلى إفساد كثير من الشباب وإلى إفساد كثير من الناس فلذلك يتعين على الإنسان أن يكون ناصحا لنفسه ولأسرته ولمن يليه في الكف عن استخدام ما يغضب الله عز وجل، فإن هذا من الغيرة على دين الله عز وجل، ومن الغيرة على المحارم، نعم فإن كثيرا من الناس لحقهم الضور بسبب عدم الغيرة على محارم الله عز وجل أن تنتهك وعدم الغيرة على من يليهم أن يقع منهم ما يخالف الشرع.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.
ونسأل الله عز وجل أن يصلحنا وأن يصلح أزواجنا وأبنائنا وجميع المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.