فوائد رمضانية لعام 1441 هـ
للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 13 البر والعقوق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ﷺ.
أما بعد:
في يومنا هذا ١٦ / من رمضان / لعام ١٤٤١.
نتكلم عن أمرين عظيمين أحدهما من أسباب خيري الدنيا والآخرة، والثاني من أسباب شر الدنيا والآخرة. نسأل الله السلامة والعافية. ألا وهما: البر والعقوق للوالدين. وتعلمون أن الله عز وجل قد قرن حق الوالدين بحقه في مواطن من كتابه، فقال: *﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾*، وقال: *﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ ﴾*، وقال: *﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ ﴾*، وأيضا يقول الله عز وجل: *﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾*.
*﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)﴾*. ضرب الله مثلين لرجلين أحدهما بار بأبويه والآخر عاقل لأبويه فذكر من شأن البار أن أعماله متقبلا وأنه مرفوع الدرجات في الجنان بينما ذكر في شأن العاق أنه خاسر في الدارين. نسأل الله السلامة والعافية.
وقد أخبر النبي ﷺ عن فضيلة البر بالوالدين حتى قال ﷺ: *«إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» *. رواه مسلم. فإذا كان وصل حب أبيك وحب أمك من البر فكيف ببر أبيك وأمك وقد سئل النبي ﷺ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: *«أُمُّكَ»* قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: *«ثُمَّ أُمُّكَ» * قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: *«ثُمَّ أُمُّكَ» * قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: *«ثُمَّ أَبُوك» *. وفي رواية: «أمك وأباك ثم أدناك أدناك».
وقد سلك السلف رضوان الله عليهم أعلى درجات البر، فها هو ابن عمر يجد أعرابيا فيسأله عن أبيه فيعرفه أنه كان صديقا لعمر فيعطيه عمامته ويعطيهم متاعه فقيل له: يا ابن عمر إنه من الأعراب وإنهم يرضون بالقليل. قال: إن هذا كان أبوه صديقا لعمر وقد سمعت النبي ﷺ يقول: *«إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» *.
عباد الله حق الوالدين عظيم سواء أحسن إليك أم أساء، فيجب عليك أن تحسن إليهم لأننا نجد كثيرا من الناس يستحلون عقوق الآباء والأمهات بدعوى أنهم لم يحسنوا إليهم. إذا كان أحسانك إلى أبيك وأمك إنما هو جزاء لإحسانهم فهذا ليس من الإحسان “ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها” فيجب عليك أن تكون بارا لأبويك وأنت صغير عندهما مهما كبرت وهذه حقيقة ينبغي ألا نغفل عنها لأننا قد نجد العتاب من آبائنا وأمهاتنا وقد شابت لحانا وحده أثبتت ظهورنا لأن الأب والأم يرون ابنهم في موطن الطفل وحُق لهم ذلك فهم الذين ربو قاموا عليه وهم السبب في وجوده فلذلك ينبغي لك أن تكون متحرزا في برهم والإحسان إليهم في جميع الأحوال إلا إذا أمروك بمعصية فلا سمع ولا طاعة، فالطاعة لله عز وجل لرسوله ﷺ. ومع ذلك *﴿قُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)﴾*. إذا كان مسلمين تدعون لهما بالرحمة، ولا تقل لهما أف وهو أدنى الكلمات. ولا تنهرهما فكيف بمن يضربهما ويسيء إليهما نعوذ بالله من الخذلان. قال النبي ﷺ: *«مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ» *. قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: هَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ. قَالَ: *«نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» *. وذكر النبي ﷺ الكبائر كما في حديث أنس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي بكرة، فقال: *«الكَبائِرُ: الإشْراكُ بالله» * وذكر منها *«وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ» *. وحرم عقوق الأمهات كما في حديث أبي بكرة نعم حديث المغيرة بن شعبة *«إنَّ الله عزَّ وجلَّ حَرَّمَ علَيْكُم: عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، ووَأْدَ البَناتِ، ومَنْعًا وهاتِ، وكَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ» *. وذكر الأمهات دون الآباء مع أن البر لهما، لأن كثيرا من الناس تمردون على أمهاتهم لضعفهن بينما يكون بارا بأبيه لقوته، فلذلك حذر الله من عقوق الأم.
والنبي ﷺ دعا على قوم أدركوا أبائهم وأمهاتهم ثم دخلوا النار، *«رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ» *. قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ. قالَ: *«مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ النَّار» *. فأبعده الله وأسحقه، دعاء عليهم بالبعد والسحق لسبب أنه لم يستغل وجود هذا الباب العظيم من أبواب الجنة،
كما قال النبي ﷺ: *«الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه» *.
البر البر يا عباد الله فهو من أعظم أسباب دخول الجنة، والمكرومات العظيمات من الله.
في حديث عائشة رضي الله عنها أنها رأت حارثة بن النعمان في الجنة فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: *«كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ» *. فأكرمه الله بالبشارة بهذه الرؤية أنه في الجنة وأقر النبي ﷺ عائشة عليها. وجاء في “الأدب المفرد” عن ابن عباس أن رجلا خطب ابنة عمه فأبت أن تتزوجه ثم جاء رجل آخر فخطبها فوافقت عليه فأخذته الغيرة فقتلها ثم جاء إلى ابن عباس، قال يا ابن عباس: هل ترى من كفارة. قال: هل لك أم؟ قال: لا، قال: فتب إلى الله واستغفره. فقيل لابن عباس لماذا سألته عن أمه؟ قال: ما هناك عمل يقرب إلى الله عز وجل مثل بر الأم. أو بنحو كلامه.
فانظر إلى ابن عباس رضي الله عنه يرشد هذا القاتل لتكفير ذنبه، وزوال عيبه إلى بر أمه والإحسان إليها بالقول والفعل والعطية وغير ذلك.
فإياك أخي المسلم أن تفرط في حق أبويك، فلهم الفضل بعد الله عز وجل في وجودك وكم سهرا من أجلك، وكم تعبا من أجلك وكم حزنا من أجلك، وكم فرحا من أجلك، فرحهم لفرحك وحزنهم لحزنك حتى وإن كان أحدهم مسيئا إلى أبويه لكن إذا لحقه شيء تجد أثر ذلك على أبيه وأمه.
بر الوالدين من أعظم ما يقرب إلى الرحمن، وعقوق الوالدين من أعظم يؤدي إلى النيران. نسأل الله السلامة والعافية. فعلى المسلم أن يجازي المحسن بإحسانه فإن الله عز وجل يقول: *﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠) ﴾*. وأبوك وأمك قد أحسن إليك غاية الإحسان، أمك قامت عليك وأنت صغير تبول في مكانك وتتغوط في مكانك وتقوم بتنظيفك وإعدادك وتسهر لمرضك، وتتألم لجوعك كم جاعت من أجلك وكم تعبت من أجلك حملته أمه وهنا على وهن *«حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا» *.
رأى ابن عمر رضي الله عنه رجلا يحمل أمه على ظهره ويطوف بها. فقال له: يا ابن عمر أتراني جاهزيتها. قال: ولا بزفرة من زفراتها حين وضعتك. وجاء في بعضها أنه قيل له: تحملها وتنتظر وفاتها وكانت تحملك وتنتظر حياتك. فرق عظيم بين الأمرين تعب الآباء والأمهات على ابنهم من أجل أن يصل إلى الحياة ويستمر فيها. والابن إذا أحسن إلى أبيه وأمه ربما ينتظر وفاتهما لا سيما إذا كان مريضين أو كان شديدين عليه فلذلك لا سواء. فينبغي لنا أن نبر آباءنا وأن نبر أمهاتنا وأن نحسن إليهما وأن ندعو لهما حتى بعد موتهما برهما؛ *«إِنَّ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» * أي: بعد موتهما. تحسن إلى من كانوا يحسنون إليه وتزور من كانوا يزورونه وتود من كانوا يودونه فإن هذا أجره عظيم ومنزلته رفيعة. وما من ذنب أعجل من عقوبته في الدنيا مثل قطيعة الأب والأم، كما جاء في حديث أبي بكرة قال النبي ﷺ: *«مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ الله تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» *. والجزاء من جنس العمل كيف ما كنت مع أبيك سيكون ابنك معك فأحسن إلى نفسك ببر والديك وصلتهما والإحسان إليهما والبذل والعطاء لهما. حتى أن بعض العلماء يمنع دفع الزكاة إلى الوالدين لأن الزكاة إنما هي أوساخ المال. والوالد والوالدة أشرف من أن تعطيهم من هذا المال فليكن عطائك لهما من خالص مالك، ومن أحسن مالك.
نعم يا عباد الله ونحن في آخر الزمان، وقد كثر العقوق والعصيان، ولم يسلم إلا من سلمه الملك الديان سبحانه وتعالى. فينبغي لنا أن نجاهد أنفسنا في هذا الباب حتى وإن كان الأب غليظا، أو الأم متعبة كما يقال لابد أن تصبر نفسك، وأن تحتسب.
انظر إلى ذلك الرجل الذي دخل الغار فانسدت عليه الصخرة، وكان من أسباب نجاته من ذلك الكربة أنه كان بارا بأبيه وأمه. قال النبي ﷺ: *«انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُإلى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالِكُمْ، قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَىْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا بُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا»*. كان أبنائه يتضاغون عند قدمه، لكن لم يرد أن يقدم على أبيه وأمه أحدا، هذا هو البر، هذه هي الصلة، هذا هو الإحسان، هذا هو جزاء المعروف. والنبي ﷺ يحث على ذلك ويرغب فيه، فإنه كان محشنا حتى لأصدقاء خديجة برا بخديجة رضي الله عنها، وقال: حسن العهد من الإيمان. احتسب يا أخي احتسب كل ما يكون إلى أبيك، وإلى أمك، ويدخل فيها الجد والجدة، فهما من الآباء، والأمهات. سواء كان من آباء الأب، أو من آباء الأم، كلهم دخل في هذا المعنى.
عليك أن تلازم البر، رفعة لنفسك وشراء لنفسك من الله، وتقديما لنفسك لأنك سائر إلى هذا الطريق، ستكون أبا بعد أيام أو ربما قد كنت أبا فجزاءك كجزاء. أبيك وأمك معك. إن كنتم من المحسنين إليهم، فهنيئا لك ابشر بالبر من أبناءك. وإن كنت مسيئا إليهم فابشر بسوى ذلك.
يذكرون أن رجلا سحب أباه إلى الباب فجاء ابنه فسحبه إلى الشاة. قال له: يا بني ما وصلت بي، أبي إلا على الباب. قال: وأنا أزيدك. الجزاء من جنس العمل.
*«الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» *. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الإنسان المهندي إذا كنت في ظلمك للبعيد ستجازى على ذلك في الدنيا والآخرة، فكيف بظلم أبيك، وبظلم أمك، ودعوة الوالد مستجابة على ولده، ولذلك قال النبي ﷺ: *«ثَلاَثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ» * وذكر *«ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ» *. وعَن جَابرٍ قال: قَال رسُولُ الله ﷺ: *«لا تَدعُوا عَلى أَنْفُسِكُم، وَلا تدْعُوا عَلى أَولادِكُم، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُم إِلَّا بِخَيْرٍ» *. ربما دعا عليك أبوك وأمك بسبب غضبة أغضبتهم فارتفعت إلى السماء فكان بها فساد الحال، وفساد المآل، نسأل الله السلامة والعافية.
فالله الله في بر الوالدين، والإحسان إليهما، والدعاء لهما، والترحم عليهما، والصدق عليهما بعد موتهما، وإنفاد وصيتهما، وعمل الصدقات الجارية إن كنت ممن تستطيع ذلك لبناء مسجد أو طباعة كتاب، أو كذلك شراء برادة للماء، أو حفر بئر أو شراء مصحف، أو غير ذلك من الصدقات التي تصلهم. فإن الصدقة ليس فيها خلاف.
وأما قراءة القرآن على روح فلان أو على نية فلان فهذا من البدع المحادثات التي لا تصل إلى الأبوين، ولا إلى غيرهم، *﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (٤١) ﴾*.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على بر آبائنا وأمهاتنا، وعلى أداء الحقوق التي أوجب الله علينا، قال الله عز وجل: *﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾*.
وقوله: “جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: هل بقي من بر أبواي شيء بعد موتهما، قال: الصلاة عليهما والاستغفار لهما”. الحديث ضعيف لكن المعنى “الصلاة عليهما”: الدعاء لهما. والصدقة عليهما ليس فيها خلاف، وأما أن تصلي لهما مع صلاتك بمعنى أنك تصلي لك صلاة وتصلي لهم صلاة الصلاة المعهودة من ركوع وسجود فهذا لا يصل إليهما بارك الله فيك.
وأيضا قول إبراهيم عليه السلام، *﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١) ﴾*. وقال نوح عليه السلام: *﴿ رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (٢٨) ﴾*.
فدعاء الأنبياء ودعاء الصالحين أنهم يشاركون آبائهم وأمهاتهم في دعواتهم.
والحمد لله رب العالمين.