القناة الرسمية للشيخ عبدالحميد بن يحيى الزُّعكُري, [٠٨.٠٧.٢٠ ٠٨:٤٧]
🔹
📒#فوائد_رمضانية_لعام_1441_هـ
▪️للشيخ أبي محمد عبدالحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
📒فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 19ــ حسن الظن بالمسلمين و النهي عن التجسس على المسلمين
🍃🍃🍃🍃🍃🍃🍃
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
نحن في يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان لعام 1441هـ ونتكلم عن امرين جليلين الأمر الأول حسن الظن بالمؤمنين والأمر الثاني النهي عن التجسس على المسلمين.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ »
وقال الله عز وجل قبل ذلك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾[الحجرات:12].
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
هذه الأدلة تدل على أهمية حسن الظن بالمسلم وانه يعامل بما ظهر منه فإن كان ظاهره الخير يحمل عليه في بيعه وشرائه ونكاحه وجميع ما يتعلق به فالأصل في المسلم انه مستقيم على شرع الله مبادر إلى مرضاة الله ولذلك جاز لك أن تأكل من ذبائح المسلمين علمت انهم سموا أو لم تعلم أما اذا علمت انهم لم يسموا لا يجوز وهكذا الأصل في عقودهم الإباحة والحل.
وينبغي للمسلم أن يحسن الظن بأخيه المسلم ويحمله على السلامة إلا اذا ظهر منه خلاف السلامة فعند ذلك يعامله بما ظهر منه من أسباب الذل والمهانة لان الناس اذا فشى بينهم سوء الظن ساءت أحوالهم وانقطعت أمالهم واشتد بلاؤهم اذا أساء الظن الزوج بزوجته ساءت العشرة واذا أساء الظن الولد بابنه ساءت المعاملة واذا أساء الظن الحاكم بالمحكوم والمحكوم بالحاكم حصل الفساد العريض.
اذاً علينا جميعاً أن نجاهد انفسنا ونعامل كل إنسان بما ظهر منه والقلوب إلى الله
أسامة بن زيد رضي الله عنه ادرك رجلاً وهو في معركة فلما رفع عليه السيف قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن رسول الله فضربه أسامة بالسيف حتى قتله ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره الخبر فقال يا أسامة: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؛ قال: يا رسول الله إنما قالها متعوذاً قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها متعوذاً فما زال يكررها حتى قال أسامة: وددت أني لم اسلم إلا ذلك اليوم.
نعم فالأمر جلل أن يكون الإنسان أمامك على حال وأنت تحمله على غير ذلك الحال ومن كان في قلبه مرض فضحه الله لا تستعجله قال الله عز وجل:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّـهُ أَضْغَانَهُمْ ﴿٢٩﴾ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴿٣٠﴾[محمد]
وقد جاء في الأثر
« مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَبداها اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ»
فما عليك إلا أن تحسن معاملتك إلى الناس وأما إساءة الناس فهي مردودة عليهم وكما قيل في المثل السائد عامل المحسن بإحسانه وأما المسيء فستكفيكه إساءته
ستكفى من المسيء بإساءته اليك لكن الذي ينبغي عليك أن تعامل المحسن بإحسانه فمن احسن اليك في القول أو في الفعل فجازه فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
« وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ »
نعم فإحسان الظن بالمسلمين والمعاملة معهم المعاملة الشرعية من المتعينات ومن الأمور المهمات التي تتآلف بها القلوب وتنشرح بها الصدور وتترابط بها المجتمعات وتزداد بها الأخوة ويزداد بها الإيمان ويحصل البذل والإحسان أما اذا كان الأمر خلاف ذلك فما هو إلا التنافر و التباغض والتقاطع والتدابر والتهاجر ومن أسباب مفسدات الأخوة.
والأمر الذي يليه التجسس لان التجسس على المسلم إنما ينتج عن إساءة الظن و الله يقول: ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا »
ويقول صلى الله عليه وسلم: « يا مَعشَرَ من أسلمَ بلِسانِه ، ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبِه ! لا تُؤذُوا المسلِمينَ ، ولا تَتَّبِعوا عوراتِهم ؛
القناة الرسمية للشيخ عبدالحميد بن يحيى الزُّعكُري, [٠٨.٠٧.٢٠ ٠٨:٤٨]
فإنَّه مَن تَتَبَّعَ عَوْرةَ أخِيِه المسلمِ ؛ تَتَبَّع اللهُ عَوْرتَه ، ومَن تَتَبَّع اللهُ عورتَه ؛ يَفضحْه ، ولو في جَوفِ رحلِهِ».
فلا تؤذي المسلم بالبحث عن عوراته وعن مثالبه ما لم تظهر قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حين قيل له هذا رجل يشرب خمر قال:
« نُهينَا عنِ التَّجَسُّسِ، ولكِنْ إنْ يظهَرْ لَنَا شَيءٌ، نَأخُذْ بِهِ».
نهينا عن التجسس ما دام الستر مرخياً على أهله فلا تتبع ولا تنقب ولا تبحث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد امر الإنسان بستر نفسه وأمر الناس بستر غيرهم
« مَن ستَرَ مُسلِمًا، ستَرَهُ اللهُ »
وقال صلى الله عليه وسلم:
« كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه»
ومعاوية رضي الله عنه ذكر له شيء فاخبر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن تتبع عورات الناس
« إنَّكَ إنِ تتَّبعتَ عوراتِ النَّاسِ أفسدتَهُم أو كدتَ تُفْسِدُهم » قال الراوي كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفعه الله بها.
نعم يا عباد الله فهذان أمران مهمان إحسان الظن بالمسلمين والبعد عن التجسس على المسلمين سواءً كانت التجسس ناتج فيما بين الناس انفسهم أو كان التجسس من الدولة على رعاياها إلا ما كان من أهل الريب؛ أهل الباطل الذين قد علم فيهم الشر والعمل به والقيام به فلا بأس أن تتتبع عوراتهم فقد ارسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة ابن اليمان ليلة الخندق ليأتيه بخبر قريش في احاديثٍ نحو هذا.
لكن اذا كان الناس قد حملوا على السلامة إياك والتجسس عليهم ولا تنقب لا تنقب عما في قلوب الناس لان ما في القلب اذا بقي في القلب أهون من ان يخرج ربما يكون بينك وبين احدهم خلاف ويسلم عليك ويظهر لك الود والبشاشة ونحو ذلك فاذا أردت أن تتعمق أنت تحبني أو لا تحبني أسألك بالله قل الذي في نفسك ربما ظهر الذي في نفسه فاذا هو خلاف ما تريد فتقع العداوة والبغضاء والشحناء ويقع التقاطع والتدابر ويفرح الشيطان بسبب هذه الأعمال التي تؤدي إلى إفساد الأخوة بين المسلمين ويغضب الرحمن سبحانه وتعالى حين يخالف أمره ويرتكب نهيه ويؤدي إلى تمزيق الأخوة الإيمانية فإن الله عز وجل يرضى لنا أن نعبده ولا نشرك به شيئا وان نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق هذا الذي رضيه الله سبحانه وتعالى.
فالحفاظ الحفاظ على الأخوة والحفاظ الحفاظ على الألفة والحفاظ الحفاظ على جميع ما يكون سبباً لنصرة دين الإسلام ولحفظ عرض المسلم في الدنيا والآخرة.
نقول هذا لأنه قد فشى في الزمن المتأخر تتبع عورات المسلمين سواءً في وسائل التواصل الاجتماعي أو في غيرها ؛ تتبع عورات المسلمين سواءً من الحكام أو من المحكومين فحصل الضرر العظيم.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾[النور:19].
الفاحشة قد تكون موجودة ؛ البلاء قد يكون موجود لكن وجوده مع ستره أهون بكثير من وجوده مع ظهوره فإن الذي يعصي الله عز وجل وإن كان عاصياً وهو يتخفى بمعصيته أهون من المجاهر بمعصيته لان المجاهر بمعصيته يدعو الناس إلى ارتكاب ما يقع فيه
والمجاهر بمعصيته محاذ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والمجاهر بمعصيته قل أن يتوب أو يعود ويقل حيائه وبلائه بينما العاصي الذي في نفسه قد يتوب ويراقب الناس أن يروه في المنكر فيبتعد وينزجر وربما كان ذلك من أسباب توبته وإنابته إلى الله عز وجل.
فلنلتزم الأحكام الشرعية في جميع الأمور العقدية والعبادة والمعاملة يسلم لنا ديننا وتصلح لنا أحوالنا.
نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية والحمد لله.
🍃🍃🍃🍃🍃🍃🍃