خطبة الجمعة بعنوان
القول الفصيح في فضل التسبيح
▪للشيخ الفاضل
أبي محمد عبدالحميد بن يحيى الزُّعكري
حفظه الله.
مسجد الصحابة-بالغيضة-المهرة، اليمن حرسها الله.
بتاريخ الجمعة 29 / جمادى الأول / 1444 هجرية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الحديث الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين
عباد الله من يطع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد رشد ومن يعصي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد غوى
جاء في وصية نوح عليه السلام لولده حين وفاته أنه قال له وأوصيك بسبحان الله وبحمده فإنها مفتاح كل شيء وبها يرزق الخلق كلمة قصيرة في مبناها عظيمة في معناها كلمة سلم الله بها من كربات وفرج الله بها من مدلهمات ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين كلمة أمر الله بتكرارها وتردادها ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ كلمة قام بها جميع العالمين إما بلسان الحال وإما بلسان المقال قال الله عز وجل ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ قال الله عز وجل في عدة سور من القرآن ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ﴾ ﴿وسَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ كلمة سخر الله عز وجل الملائكة عليها يسبحون الله عز وجل بكرة وعشيا يلهمون التسبيح أهل الجنة يلهمون التسبيح يوم القيامة كما يلهم الإنسان قي الأرض النفس كلمة عظيمة رضيها الله لنفسه واختارها لذكره وأمر أنبيائه بها وقام بها أنبيائه على خير قيام وأمروا بها أتباعهم سأل زكريا عليه السلام الولد فبشره بالولد وأمره أن يسبحه بكرة وعشيا دخل النبي صلى الله عليه وسلم على علي بن أبي طالب وزوجه فاطمة وفاطمة تطلب العبد فأمرها بالتسبيح جاء فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون ضعفهم عن مواكبة أغنياء الأنصار ومن كان على شاكلتهم فقالوا يارسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أوليس الله عز وجل قد جعل لكم ما تتصدقون به سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله اكبر ثلاثا وثلاثين وفي رواية تحمدونه وتسبحونه وتكبرونه ثلاثا وثلاثين فإنكم إذا فعلتم ذلك سبقتم من بعدكم وأدركتم من سبقكم ولا يأتي احد بأفضل مما جئتم به إلا أن يفعل كما فعلتم أو كما قال صلى الله عليه وسلم فضل من الله عظيم وكرم من الله واسع فأين المشمرون وأين من يجعل لسانه مضطربا بهذه الكلمة في جميع لحظاته وسكناته قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدلهمات قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعجبات قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المذكرات قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزوله إلى غير ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم حين صفق الناس في صلاتهم (إنما التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله)
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا قال الله عز وجل لنبيه حين اشتد أذى المؤذين له ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ نعم عباد الله أين نحن من هذه العبادة العظيمة الجليلة أين نحن مع حاجتنا لها مع عظيم ضعفنا مع كثرة همومنا مع كثرت أحزاننا مع كثرة متطلباتنا مع كثرة أعدائنا أين نحن من كلمة من قالها معتقدا لمعناها عاملا بمقتضاها كم له من الأجر العظيم كلمة سبحان الله معناها تنزيه الله عز وجل من جميع النقائص والعيوب ومتضمنه لإثبات الكمال لعلام الغيوب من جميع أوجهه كلمة يحبها الله قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
كلمة اصطفاها الله لملائكته إن الله اصطفى لملائكته سبحان الله وبحمده
كلمة ثقيلة في الميزان قال النبي صلى الله عليه وسلم (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمد سبحان الله العظيم)
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يعلمه كلمات فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله قال يارسول الله هذه لربي فما لي قال قل اللهم إغفر لي وارحمني واهدني وارزقي وعافني)
كلمة تملأ مابين السماء والأرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (سبحان الله والحمد لله تملأ مابين السماء والأرض)
كلمة لمحبة الله لها لازمها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرها قال النبي صلى الله عليه وسلم لجويرية بنت الحارث وقد تركها تذكر ربها من بعد صلاة فجرها وحتى ضحى يومها أما زلتي على الحال الذي تركتك عليه قالت نعم يارسول الله قال أما اني قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلتي اليوم لرجحت بهن سبحان الله وبحمده عدد خلقة وزنة عرشه ورضى نفسه وزنت عرشه ومداد كلماته) تسبيح تقديس تنزيه لله سبحانه وتعالى
عباد الله أين المشمرون لمثل هذه الفضائل قال النبي صلى الله عليه وسلم (بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر والولد الصالح يموت للعبد فيحتسبه) كلمة أمر الله عز وجل محمد صلى الله عليه وسلم من الإكثار منها قبل موته مع أن العبادات كثيرات ومع ن المضرات كثيرات ومع ذلك ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ النصر كلمة يسمعها أغلب المسلمين في صلاة الجمعة لأمر الله بها ﴿سبح اسم ربك..﴾ سبح وقدس ونزه ربك فإنك إن ذكرته ذكرك وإن دعوته أجابك وإن استلجأت به ألجأك وإن استعنت به أعانك وإن إستغثت به أغاثك وإن استهديته هداك وإن استطعمته أطعمك وان استكسيته كساك والله المستعان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وصفيه ومجتباه
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله ولمعرفة عظيم هذه الكلمة العظيمة أنظر إلى مواطنها في ليل العبد ونهاره وفي عبادته وأسفاره تجد أنها كلمة عظيمة فقد شرع الله عز وجل لنا قولها في الركوع سبحان ربي العظيم وشرع لنا ربنا سبحانه وتعالى أن نقولها في السجود سبحان ربي الأعلى بل وشرع لنا سبحانه وتعالى أن نقولها عند الدخول في الصلاة سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
شرع الله عز وجل أن نأتي بها في أدبار الصلوات وشرعها الله أن نأتي بها قبل النوم وشرعها الله أن نقولها في الأسفار وشرع الله لنا أن نقولها في إقبال الليل وإدبار النهار دليل على عظيم شأنها وعلى عظيم بركتها ومن ذلك أنه لم يختم بها مجلس من المجالس إلا كانت كفارة لما كان في ذلك المجلس وكانت ختما لما كان فيه من الخير نعم عباد الله كلمات يسيرات ومع ذلك المعرضون عنها كثر قال النبي صلى الله عليه وسلم( خلتان لا يعمل بها أحد إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل تسبحون الله دبر كل صلاة عشرا وتحمدونه عشرا وتكبرونه عشرا وتسبحون الله عند النوم ثلاثا وثلاثين وتكبرونه أربعا وثلاثين وتحمدونه ثلاثا وثلاثين ثم قال عن تسبيح دبر الصلاة فتلك مائة وخمسون باللسان وألف وخمسمائة في الميزان وقال في التسبيح عند النوم فتلك مائة باللسان وألف في الميزان وأيكم يفعل كل يوم ألفين وخمسمائة سيئة قالوا يارسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل قال يأتي الشيطان أحدكم بعد أن يفرغ من صلاته فيقول اذكر كذا اذكر كذا فيقوم قبل أن يقولها ويأتي الشيطان أحدكم عند نومه فيقول له أذكر كذا أذكر كذا فينام قبل أن يقولها
عباد الله إن شئت أن يستقيم حالك فلازم ذكر الله عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم (معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن) هذا وعد رسول الله لا تخب في حياتك العلمية ولا في حياتك العملية يلحقك الفوز يلحقك النصر يلحقك الظفر قالوا وما هي يارسول الله قال سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين دبر كل صلاة مكتوبة
قال النبي صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر جعلها الله صدقة كما تقدم قال الفقراء يارسول الله ما عندنا ما نتصدق به قال أوليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به أن بكل تسبيحة صدقة وكل تحميده صدقه وكل تكبيرة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ويأتي أحدكم أهله يكون له صدقة قالوا يارسول الله يأتي احدنا أهله يكون له بذلك اجر قال نعم أرأيتم إذا وضعه في حرام أيكون عليه وزر قالوا نعم قال كذلك إذا وضعه في حلال
عباد الله هذه عبادة جليلة لا يتسع لها هذا المقام ولكن هذه إرشادات وتذكيرات لنا ولكم بملازمتها لعل الله عز وجل أن يكفر عنا السيئات وأن يرفع لنا الدرجات وان يلهمنا الخيرات والمبرات وأن يسلمنا الشرور والمدلهمات فمن كان مع الله كان الله معه كما قال الله سبحانه وتعالى﴿ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ سبحان الله يأتي بها الله عز وجل في كتابه بعد ذكر شرك المشركين وبعد ذكر تربص المتربصين وبعد ذكر أذية المؤذين يأتي بها الله عز وجل لبيان تنزهه عن جميع النقائص والمعائب حين ذكر ما قاله كفار قريش من جعل الملائكة بنات الله ومن ادعى الشريك لله وما اخبر به عن سلامة دين الرسل سبحان الله رب العرش عما يصفون وسلاما على المرسلين
والحمد لله رب العالمين