تفريغ أحسن الأقوال في بيان فضائل الأعمال الفائدة 20 ( الدعاء )
#تفريغ_أحسن_الأقوال_في_بيان_فضائل_الأعمال
▪️للشيخ أبي محمد عبدالحميد الزعكري حفظه الله.
📢 مسجد الصحابة – بالغيضة – المهرة، اليمن حرسها الله.
🗓الاثنين 26 / رمضان / 1444 هجرية
📚 أحسن الأقوال في بيان فضائل الأعمال
🎙 الفائدة ➿ 20 ( الدعاء )
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:
ومن أفضل الأعمال الدعاء، قال عزوجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وقال الله عزوجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وقال الله عزوجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}. وقال النبي ﷺ: «الدعاء هو العبادة». وإذا تأملت القرآنَ وصحيح السنة وجدت فيه من الدعاء وأحوال الدعاه ما سُطر في مجلدات لعظيم فضله وعلو منزلته. أولاها: أنها عبادة لله عز وجل. ثانيها: أنه دالٌ على غنى الله سبحانه وتعالى وعلى كمال قدرته وقوته وعلى كمال سمعه وبصره وعلمه وإِحاطته إلى غير ذلك من خصائص ربوبيته. الثالث: أنهُ سبيل الأنبياء والمرسلين والصالحين في كل زمنٍ وحين. الرابع: أنه سببٌ لتفريج الكرب وقضاء الحاجات ورفع الدرجات وتسهيل المهمات الذي يليه أنه السبب الذي لا ينقطع فمهما قُطع رجاء العبد في أمرٍ من الأمور لم ينقطع من دعاء الله عز وجل ورجاء الله عز وجل الذي يليه أنهُ من أقوى الأسباب الشرعية والقدرية في جلب المطلوب وفي دفع المرهوب إلى غير ذلكَ من الدلائل على فضله وعلو منزلته. وانظروا يا وفقكم الله كيف كانت أول سورة في القرآن إذ أنها متضمنة الثناء على الله عز وجل ثم الدعاء وهذا من أسباب الإستجابة ولما كانت منزلتها بهذه المنزلة فرض الله علينا قراتها في كل ركعة من صلواتِنا اليومية: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} ولذلك لما سئل الصحابة رضوان الله عليهم نبي الله ﷺ الاستسقاء خرج بهم من المصلى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إنكم أيها الناس شكوتم إلي جدب دياركم وتأخر المطر عن أوانه وإن ربكم قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ثم دعا الله عزوجل بالغيث فأنزله عليهم».
لا تيأسنَّ من الدعاء ولا تبخلنَّ على نفسك به مهما تأخرت استجابته ومهما عظم شأن المطلوب فيونس عليه السلام دعاء ربه وهو في بطن الحوت فستجاب الله له وسلمه: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}. وأيوب مرض فطال مرضه وسقِم فطال سقمه عجز الأطباء عن مداواته فعند ذلك لجأ إلى ربه الشافي الطبيب مناديا له: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}. وزكريا كبر سنه، ورق عظمه واشتعل شيبه ولم يكن لهُ من الولد من يرثَ النبوة فدعا الله عز وجل بالولد فإذا بربنا يستجيب لهُ دعائه ويحقق لهُ رجائه: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا}. ونوح عليه السلام أذاهُ قومه حتى دعا دعوته المشهورة {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} فستجاب الله لهُ ونصره وأغرقهم عن آخِرهم ولم يسلم إلا من كان مع نوح عليه السلام في السفينة ورسول الله ﷺ أحاط به الناسُ يوم بدرٍ وجمعوا لهُ العدد والعدد وهو قليلٌ حاله ليس معه من الرجال إلا ثلاث مئة وتسعَ عشر ليس معهم إلا فرس واحد ومع ذلك قام يدعو ربه ويناشدُه فاستجاب الله له وأمده بملائكةٍ يقاتلون معه ونصره الله. وإبراهيم عليه السلام يُلقى في النار ليس له من شفيعٍ ولا مدافعٍ فإذا به يدعوا الله: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} فاستجاب الله له وقال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}.
وسليمان عليه السلام دعا ربه أن يهب له ملك لا ينبغي لأحد من بعده فاستجاب الله له وسخر له الريح: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ}.
فلا تستسهلنَّ الدعاء، إذا استجابه الله عز وجل يقسم به الظالمون وينصرن به المستضعفون ويغتني به الفقراء ويصلح به حال الأشقياء ويصلح به الرجال والنساء، إنه أمرٌ عظيم إذا وفق له الإنسان وفق لكل خير إلا أنه ينبغي للداعي إلى الله عز وجل أن يكون متضرعًا خائفًا وجِلًا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
خوفًا أن لا يقبلك، وتضرعاً وتذللًا أن يقبلك وهكذا أن تكون مبتعدًا عن الحرام فإن الحرام من أسباب رد الدعاء «ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يارب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له».
الدعاء له مواطن أفضل من غيرها منها الساعة الأخيرة من الجمعة ومنها الثلث الأخير من الليل وبين الآذان والإقامة وعند السجود وفي كثيرٍ من الحالات المسافر وحال الصيام ودعوة الوالد لولده ودعوة المظلوم تستجاب وترفع ولو بعد حين فما على الإنسان إلا أن يسلك هذا المسلك العظيم مسلك الأنبياء والمرسلين في تضرعهم إلى الرب الكريم الرحيم وليبشر من الله عز وجل بالعطاء العظيم وبالنصر المبين وبالخير العميم وبالسلامة في دينه ودنياه ولا يبخل على نفسه بالدعاء بصلاح الدين: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي» هكذا يقول نبيُنا ﷺ، وليدعو بدعاء الجوامع: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» ونحنُ في ليلةٍ مباركة بإذن الله عز وجل وعسى أن تكون ليلة القدر فلنكثر من الدعاء في صلاح احوالنا وبصلاح أقوالنا وبصلاح مآلنا وما فيه نفع لنا وللمسلمين والله المستعان وعليه التُكلان، والحمدلله رب العالمين.