القناة الرسمية للشيخ عبدالحميد بن يحيى الزُّعكُري, [٠٥.٠٧.٢٠ ١٠:٠٥]
🔹🔸🔹
📒#فوائد_رمضانية_لعام_1441_هـ
▪️للشيخ أبي محمد عبدالحميد الحجوري الزُّعكري حفظه الله.
📒فتح الخلاق ببيان جمل من محاسن ومساوئ الأخلاق.
♻️ الفائدة 15_ السماحة والتشديد والمشـاحـة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
في يومنا هذا الثامن عشر من رمضان لعام 1441هـ نتكلم عن خلقٍ عظيم ألا وهو
[السماحة ويضاده التشديد والمشاحة].
وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة كما في حديث ابن عباس لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية بل هو دينٌ قائمٌ على السماحة والتيسير في العبادات والاعتقادات والأخلاق والمعاملات.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:« إنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم داعياً لأهل السماحة: « رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى » أخرجه البخاري عن جابر عنده سماحة وسعة صدر وسهولة في بيعه وشرائه وأخذه وعطائه.
وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن افضل الإيمان فقال الصبر والسماحة كما في حديث عمرو بن عبسة وهو ثابت وله شواهد افضل الإيمان الصبر على طاعة الله وعلى أقدار الله وعن معصية الله.
والسماحة سماحة النفس في جميع معاملاتها في بيته ؛ مع جيرانه ؛ مع أرحامه بل مع أعدائه فهي خلقٌ عظيم تميز به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وامر به وحث عليه ورغب فيه ولذلك قال :
« أَقِيلوا ذَوِي الهيئاتِ عَثَراتِهِم » وهذا من السماحة اذا اخطأ عليك رجلٌ من ذوي الهيئات ربما غلبته نفسه أو أزه شيطانه وفي الأصل انه ليس من أهل هذا الشأن فعاجله بالإقالة والعفو والمسامحة والجزاء من العمل اذا كنت من أهل السماحة جاءتك السماحة وان كنت من أهل المشاحة حصلت عليك المشاحة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم كان رجل يبايع الناس وكان يقول لغلمانه انظروا المُعسِرِ وتجاوزوا عن المُوسِرِ لعلَّ اللهَ أن يتجاوَزَ عنَّا فلما لقي الله عز وجل بكثير عملٍ غير صالح إلا انه كان متميزاً بهذا الخلق العظيم وهذه الصفة الجليلة قال الله عز وجل :« نحنُ أحقُّ بذلِك منه تجاوَزوا عن عبدي».
انظروا إلى هذا الفعل القليل كيف كان جزائه هذا العفو الكثير من الله عز وجل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« اللَّهُمَّ، مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ ».
السماحة سببٌ لرفق الله بك وعون الله لك ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« واللهُ في عَونِ العَبدِ ما كان العَبدُ في عَونِ أخيهِ » ؛ « ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ ».
فتخلق بهذا الخلق ومنه المكتسب الذي يحتاج إلى ترويض النفس عليه ابتغاء الأجر والمثوبة ومنه الجبلي إذ يكون هذه النفس طبيعتها السخاء والسماحة والتجاوز والعفو والصفح وما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرٌ إلا امر فيه بالعفو ؛ بسماحة نفسه بل جاءه الرجل يقول يا رسول الله اني زنيت فأعرض عنه؛ اني زنيت فأعرض عنه ؛ اني زنيت فأعرض عنه حتى قالها الرابعة لم يكن معاجلاً صلى الله عليه وسلم بالعقوبة ولكنه كان يستأني ويعفو ويصفح.
ولا اعظم مما حصل له من كفار قريش من الأذى ومن كفار الطائف من الأذى ومع ذلك يأتيه ملك الجبال وجبريل فيقول له هذا ملك الجبال مره بما شئت فيقول:
«إني لأرجو أن يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهِم مَن يعبدُ اللَّهَ ، لا يشرِكُ بِهِ شيئًا » أي درجة من السماحة انه يُرجم حتى تُدمى رجلاه ولشدة ما نزل به لم يفق إلا بقرن الثعالب يمشي من الطائف إلى قرن الثعالب قريب من عشرين كيلومتر ولا يدري مشى أم لم يمشي فأفاق بقرن الثعالب حين جاءه جبريل ومع ذلك بادر بالدعاء لهم والاستئناء بهم لعل الله عز وجل أن يجعل فيهم من يكون عابداً موحداً لله عز وجل فكان.
وهكذا في معاملتك مع زوجتك استأني ولا تستعجل واسمح ولا تفضح وفي معاملتك مع ولدك استطعت إلى ذلك سبيلا استأني ولا تستعجل وغلب جانب السماحة مع الأخذ بالحزم ؛ في معاملتك مع جارك استئن ولا تستعجل ؛ فلا بد من أذى لخلطة النساء والأبناء ولكن عالج ذلك بالسماحة.
وأعظم من ذلك في عبادتك كن سمحاً؛ إياك والشركيات ؛ إياك والبدع والخرافات ؛ إياك ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلال وهي سببٌ لخزي الدنيا والآخرة نسأل الله السلامة والعافية.
والسماحة ناتجةٌ عن كرم النفس وسلامة الصدر وحسن الخلق فإنه تنتج منه السماحة فصاحب الخلق الحسن تجد عنده العفو والكرم والشجاعة والصفح والتجاوز والإحسان والبذل.
وهكذا الكريم لا يتخلق بأخلاق اللُؤماءُ الذين اذا تمكن من الإنسان لا يقيل له عثرة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لابن الأكوع:« يا ابْنَ الأكْوَعِ: مَلَكْتَ، فأسْجِحْ » يعني اذا مكنك الله من امر فتعامل م
القناة الرسمية للشيخ عبدالحميد بن يحيى الزُّعكُري, [٠٥.٠٧.٢٠ ١٠:٠٥]
عه برفق لا تشدد فيه إذا اخطأ عليك رجل ما تقول جعلها الله تحت يدي لابد أن افعل به وافعل به ملكت فأسجح تجاوز وأعفو واصفح إن كان في ذلك صلاح له وصلاح للمجتمع الذي هو فيه لقول الله عز وجل:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾[الشورى: 40].
وأما المشاحة التي اعتادها الإنسان فتؤدي إلى تنافر القلوب والى زيادة الشحناء والى البغضاء أساء اليك ؛ لا تنسى له الإساءة ؛ قصر في حقك لا تنسى له هذا التقصير فيظل قلبك ممتلئاً عليه تريد الانتقام لنفسك فتزداد حسرتك وتخالف هدي نبيك صلى الله عليه وسلم وتتخلق بأخلاقٍ غير ممدوحة عند العقلاء فضلاً عن المستقيمين؛ العقلاء يحبون الكرم يحبون السماحة يحبون التجاوز.
النبي صلى الله عليه وسلم أمن به أناس بسبب تجاوزه ؛ بسبب سماحته؛ بسبب عفوه؛ بسبب صفحه ولا اعجب من تلك القصة التي حصلت له صلى الله عليه وسلم وهو في نجد إذ نام تحت شجرة من شدة التعب ومعه أصحابه ربما مشى الليالي والأيام في الحر وفي القر وبينما هو على ذلك الحال وقد علق صلى الله عليه وسلم سيفه بالشجرة واذا برجلٍ من الأعراب يتسلل حتى وصل اليه فأخذ السيف وشهره ثم قال بصوته من يمنعُكَ منِّي يامحمد؟ قال: اللَّهُ. فسقطَ السَّيفُ من يدِه، فأخذَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ السَّيفَ فقال: من يمنعُكَ منِّي؟ فقال: كُن خيرَ آخِذٍ ؛ فعفا عنه.
هذه جريمة عظمى أراد أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم ولو أستمكن منه لقتله ومع ذلك يجازيه بالصفح والعفو والترك بدون مؤاخذة ؛ وأوذي من المنافقين احدهم يقول له اعدل يا محمد والآخر يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالذلة ومع ذلك يتجاوز ويصفح ويعفو امتثالاً لأمر الله
﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾[البقرة:109].
فارح نفسك بالسماحة في بيعك في شرائك في هديتك في هبتك في أخذك في كلامك في عفوك في صفحك في جميع معاملاتك؛ ارح نفسك فإن فضل السماحة يعود إلى النفس أولاً تبقى مطمئنة غير مبالية؛ لا سيما اذا اقترن بالسماحة الاحتساب من الله عز وجل تعلم أن من أسماء الله العفو والغفور والرحيم وغير ذلك من الأسماء الحسنى فتتخلق بما دلت عليه من العفو الصفح والتجاوز والإحسان والكرم.
وأما شؤم المشاحة فيعود عليك والله تجد بعضهم مليء من الغل والحقد والحسد وسوء الحال لماذا فلان قال لي وما قلت له ؛ زوجتي فعلت بي ؛ ابني فعل بي نزلت السوق حصل لي يا أخي الحياة لا تخلو من منغصات لا في صباحك ولا في مساءك ولا في ليلك ولا في نهارك ولا في حضرك ولا في سفرك ولا في صغرك ولا في كبرك فإذا كان هذا هو الحال فلا أحسن من إراحة الصدر بالسماحة والتجاوز والإحسان وغير ذلك من الأخلاق الحميدة التي دعا اليها الإسلام.
اسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الصبر والسماحة وان يوفقنا لطاعتهم ومرضاته
والحمد لله رب العـالمين.