((إجابة سؤال في حكم الترحم على أصحاب البدع وبيان التفصيل في ذلك))
🔵((إجابة سؤال في حكم الترحم على أصحاب البدع وبيان التفصيل في ذلك)) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إن الجهل بدين الله عز وجل مع التعالم هما سبب الخلاف والشر في المسائل العلمية والعملية والا فإن في كتاب ربنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه السلف ما يشفي ويكفي. ومنها هذه المسألة. والدعاء للمسلم بالرحمة والمغفرة يجوز سواء في ذلك البر أو الفاجر من المسلمين ويدخل في ذلك من لم تكن بدعته مكفرة أما أصحاب البدع المفسقة فحكمهم في هذا حكم المسلمين. إلا أن أهل العلم والصلاح قد لا يظهرون ذلك خشية الاغترار ببدعة المبتدع. فمن دعا له في السر لا ينكر عليه بل ربما كان هذا المسلم المبتدع العاصي أحوج إلى الدعاء من غيره وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه وأمر الصحابة أن يصلوا عليه زجرا له وأمثاله عن مثل ذلك الصنيع. ومن هذا الباب ترك بعض السلف الصلاة على جنازة المبتدع. وهنا كلام نفيس لشيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (3/18) حيث قال رحمه الله: ” مَنْ عُلِمَ مِنْهُ النِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلإِسْلامِ فَإِنَّ اللَّهَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنْ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} وَقَالَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْت لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْفِسْقِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الإِيمَانِ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ، فَهَؤُلاءِ لا بُدَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلاةِ عَلَى أَحَدِهِمْ زَجْرًا لأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ، كَمَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ، وَعَلَى الْغَالِّ، وَعَلَى الْمَدِينِ الَّذِي لا وَفَاءَ لَهُ، وَكَمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الصَّلاةِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ – كَانَ عَمَلُهُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ حَسَنًا. وَقَدْ قَالَ لِجُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ ابْنُهُ: إنِّي لَمْ أَنَمْ الْبَارِحَةَ بَشَمًا، فَقَالَ: أَمَا إنَّك لَوْ مِتّ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْك، كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَتَلْت نَفْسَك بِكَثْرَةِ الأَكْلِ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ هَجْرِ الْمُظْهِرِينَ لِلْكَبَائِرِ حَتَّى يَتُوبُوا، فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا، وَمَنْ صَلَّى عَلَى أَحَدِهِمْ يَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُهُ مَصْلَحَةً رَاجِحَةً، كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا، وَلَوْ امْتَنَعَ فِي الظَّاهِرِ وَدَعَا لَهُ فِي الْبَاطِنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ كَانَ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ النِّفَاقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ يَجُوزُ الاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ، بَلْ يُشْرَعُ ذَلِكَ، وَيُؤْمَرُ بِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وَكُلُّ مَنْ أَظْهَرَ الْكَبَائِرَ فَإِنَّهُ تُسَوَّغُ عُقُوبَتُهُ بِالْهَجْرِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى مِمَّنْ فِي هَجْرِهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ رَاجِحَةٌ فَتَحْصُلُ الْمَصَالِحُ الشَّرْعِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ” ا.هـ كلامه رحمه الله. انتهى وقال رحمه الله في منهاج السنة (5/235): “*فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له، والصلاة عليه وإن كان فيه بدعة أو فسق* لكن لايجب على كل أحد أن يصلي عليه، وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة و المظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس فالكف عن الصلاة كان مشروعاً لمن كان يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه”. انتهى.
🖋 فانصح أخواني من ترك الخوض فيما لا ينفع وإن احتاجوا إلى نقاش مسألة علمية ناقشوها بطريقة أهل العلم. *فاطلاق منع الترحم على من مات من المسلمين ومنهم أهل البدع المفسقة فيه نظر لأن هذا الصنف داخل في عموم أدلة حقوق المسلمين.* وهو داخل في عموم الدعاء العام اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ونحو ذلك. فتنبه لهذه الدقيقة المهمة المغفول عنها عند من لم يفقه.
*والإشادة بأهل البدع وإظهار الحزن والشفقة عليهم فيه نظر إذ قد يكون فيه تغرير بكثير من المسلمين ومن أسباب إظهار وإشهار ما هم عليه من البدع* وهذا التفصيل الذي علمناه من علمائنا ونقلوا عليه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنن المروية. وفي الكنز الثمين للعلامة الحجوري حفظه الله: *من أهل البدع من يحرم الترحم عليهم ألبتة، وهم أهل البدع المكفرة*، قال تعالى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة:٨٤]؛ فنهى الله عز وجل نبيه عن الصلاة عليهم، وتلك الصلاة دعاء، «واستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله سبحانه وتعالى له، واستأذن أن يزور قبرها فأذن الله عز وجل له» كما في الصحيح. *وأصحاب البدع المفسقة بعد موتهم لا بأس بالترحم عليهم؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد:١٩]*. انتهى من إتحاف الزمن بالأجوبة على أسئلة شباب عدن، بتاريخ: ليلة السبت ٥ ذي القعدة ١٤٢٢ه.. دماج – دار الحديث.
وبالله التوفيق أبو محمد الحجوري مركز الصحابة رضي الله عنهم بمدينة الغيضة محافظة المهرة. ٢٣محرم ١٤٣٩